المنبرالحر

سوء ادارة المياه في العراق من اسباب شحتها / المهندس عبد الكريم حسن سلومي

ادى المناخ الجاف في منطقة الشرق الاوسط الى جعل الاراضي الزراعية المعتمدة على مياه الامطار قليله جدا ما دفع ذلك بشعوب المنطقة الى الاعتماد على الري الصناعي وبكافة اشكاله لغرض زراعة الاراضي بصورة مستمرة لتوفير الغذاء لشعوبها علما ان اغلب الاراضي المزروعة في المنطقه تعتمد اساليب الري القديمة والتي عادة ما تكون كفاءتها قليله جدا وذات نسب عالية في هدر المياه ومنها على سبيل المثال الري السيحي المعتمد بصورة كبيرة في ري العراق والمسمى (( الري بالراحة)) والذي تصل كفاءته من (50 بالمئة_60 بالمئة) وهذا ما يعنيه نسبة هدر تصل في اغلب الاحيان الى 40 بالمئة في الوقت الذي تعاني اغلب مناطق المنطقة من الجفاف بسبب تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري الذي أدي الى التغير المناخي في منطقتنا.
ان دراسة بسيطة لأغلب مشاريع الري في بلدنا تؤكد على ان أغلب كميات المياه المهدورة تتم من قبل الفلاحين بالاضافة لسوء التشغيل وضعف الادارة للمشاريع.
ان اغلب مشاريع الري في عموم المنطقة تتكون من قنوات ترابية وقليل منها المبطنة بالكونكريت وهذا بدوره يؤدي لنمو الحشائش والادغال في شبكات الري مما يتطلب مبالغ كبيرة لأغراض الصيانة مع توفير معدات كثيرة ومتخصصة لانجاز الصيانة للمشاريع. كما اننا نرى سوء تصاميم كثير من المشاريع الاروائية ما يؤدي لكثرة هدر المياه حيث لاحظنا ضعف وسائل التحكم بالمياه اوانعدامها والذي قاد الى الافراط في كميات المياه الداخلة لحقول الفلاحين المهملة اصلآ من قبل الفلاح بالاضافه لقيام اغلب الفلاحين بزراعة محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه.
ان ادارة مشاريع الري الكفوءة تعتمد على جملة من المستلزمات الواجب توفرها لغرض تحقيقها النجاح في العراق والمنطقة عموما والسيطرة على هدر المياه والحد منها ولو درسنا بحيادية اغلب ادارات المشاريع في كل المنطقة نراها تكاد تشترك بنفس المعوقات التي تعيق تطور ادارات مياه الري وان هذه المعوقات واضحة للمختصين منها على سبيل المثال:
1_عدم وجود سياسة ثابتة لادارة المياه على مستوى المزرعة مع اهمال واضح من قبل المزارع وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه هدر المياه في مزرعته.
2_عدم وجود كوادر مختصة في ادارة المياه على مستوى اغلب مشاريع الري.
3_عدم الاعتماد على نوع المحصول الواجب زراعته لكل منطقة او مشروع مع تحديد نوع المحصول وفق نوع المياه المتوفرة.
4_عدم وجود اي دور للارشاد بالنسبه للفلاح وخاصة ارشاده لطرق الري والزراعة الحديثة واسلوب ادارة المياه في المزرعة وهذه الحالة هي الغالبة في كل مشاريع البلد وببساطة لا يوجد وعي لفلاحي البلد.
5-قدم اغلب مشاريع الري في الوطن مع قلة الصيانة مما ادى لقلة كفاءة المشاريع مع كثرة الاضرار الحاصلة للمشاريع من جراء سوء تشغيلها.
6-عدم وجود تشريعات قانونية تنظم ادارة المياه وان وجدت لا تلقى القبول للتطبيق كما هو واضح اليوم في البلد.
7_اغلب الصيانة للمشاريع غير حقيقية او غير فعالة.
8_انخفاض تسعيرة مياه الري على العموم مما ادى للإسراف في استخدامها والهدر بكثرة بسبب سهولة الحصول عليها.
9_كلفة اساليب الري الحديثة (علما انها في بعض الدول اصبحت طرقاً قديمة) ادى ذلك لعزوف الفلاح عن استخدامها (علما انها تقتصد في كمية المياه ) واستمراره باستخدام اساليب الري القديمة، كثيرة الهدر حيث لا تكلفه مبالغ كبيرة.
10_لا وجود لعقوبات رادعة للحد من هدر المياه ولحد اليوم يستخدم تسعيرة للمياه على اساس وحدة المساحة للاراضي الزراعية بغض النظر عن كمية المياه المستخدمه لكل محصول.
11_اغلب البحوث الخاصة بالمياه وطرق استخدامها وكذلك القوانين المشرعة لاستخداماتها اصبحت حبراً على ورق ولا تطبق اليوم.
12_عدم استخدام بعض طرق الري الحديثة على مستوى الفلاح بل اقتصر استخدامها على الدولة ولاغراض بحثية وان استخدمت من قبل المزارعين فهي على نطاق ضيق ليس لها تأثير على ترشيد الاستهلاك المائي.
13_ان حجم الاستثمارات في مجالات تطوير الري لا زال قليلاً جدا بسبب عدم التوسع في دخول القطاع الخاص واستثماره في الري.
14_عدم تخصيص المبالغ اللازمة لصيانة مشاريع الري بصورة جيدة مما ادى لتراكم السلبيات والاضرار في اغلب المشاريع وادى هذا بأن تكون الكثير من المشاريع لا جدوى اقتصادية من تشغيلها مع تدهور كبير في قنوات الري والبزل ومنشأتها وشجع ذلك على كثرة التجاوزات عليها من قبل المزارعين مما أدى الى تعرض اغلب المشاريع لاضرار كبيرة جدا.
15_عدم انتظام توزيع المياه بصوره كفوءة وعادلة لاغلب مشاريع الري مما يتسبب في هدر كميات كبيرة من المياه.
16_جهل اغلب فلاحي البلد بطرق الري الحديثة واصرارهم على استعمال الطرق القديمة التي توفر لهم الراحة وقلة الكلفة دون ان يعوا بالاضرار الجانبية ومنها ضياع ثروة المياه.
17_تداخل المسؤوليات في اغلب مشاريع الري (تجزأة المشاريع كون الصيانة منفصلة عن التشغيل او المشروع يجزأ بين عدة محافظات) ادى ذلك لتعطيل حل المشاكل الحاصلة والاتكالية وكثرة الصراعات بين دوائر الدولة وهذا كان له الاثر الواضح في تدهور كثير من المشاريع للاسف.
لذلك كله ولاسباب اخرى نريد السعي للحيلولة دون تدهور هذه المشاريع مع السيطرة على مجالات هدر المياه في عموم البلد ونقدم هذه المقترحات العملية لهذا الغرض وهي من وحي تجارب سنين في مجال الري:
1_ان تطوير طرق الري مع امكانية ترك اساليب الري القديمة (السيحي) قادرة بصورة كبيرة على وقف نسبة كبيرة من هدر المياه وترشيدها بالاضافة الى تحديث طرق استخدامات المياه في المجالات الاخرى.
2_السماح للاستثمارات بالدخول في مجالات الري سيؤدي حتما الى تطوير مشاريع الري والمزارع ايضا وهذا يتطلب تشريع قوانين للمحافظة على مصالح البلد.
3_وبدلا من التوسع في انجاز مشاريع جديدة لا يمكننا انجازها في ظل الشحة الحالية في توفير المياه لها لذا علينا تطوير المشاريع القديمة وتحسين ادارتها وكفاءتها مع ادخال طرق الري الحديثة على مستوى مزرعة الفلاح وبحكم تجاربي الشخصية فأنه لا خيار لنا في العراق للسيطرة على هدر المياه الا بالقانون والتحول فورا لطرق الري بالواسطة حصرا (على الاقل بالنسبة للمشاريع الحديثة حفاظا عليها من التدهور
4_ ادارة المياه وما يصاحبها من هدر كميات كبيره من المياه ستلزم تطبيق القوانين المشرعة لادارة المياه بصورة جادة مصحوبة بسلطة قوية للتنفيذ.
5_الاعتماد على نوع المحاصيل المخصصة لكل مشروع وعدم زراعة محاصيل لم تكن الدراسات الاولية للمشروع قد حسبت حساباتها حيث يؤدي ذلك لاخطاء كبيرة في المشاريع .
6_اشراك الفلاح في ادارة اجزاء من المشاريع اي تشكيل ادارات ذاتيه لبعض اجزاء المشاريع (جمعيات مستخدمي المياه) يمكن انشاؤها بالتعاون مع المختصين مع تحميل المستفيدين مسؤولية (ادارة وتشغيل وصيانة المشروع بالتعاون مع كوادر الدولة) وسحب دعم الدولة لهذه الاجزاء بصورة تدريجية ودعم الفلاح لادخال الري الحديث وقد نجحت هذه التجربة لدينا في تقليل كلف الصيانة حينما طبقت في احد المشاريع العملاقة.
ولغرض التقليل من هدر المياه يجب ان ترعى الدولة وتخصص يوماً للمياه حيث في هذا اليوم يتم التوقف عن ضخ المياه في جميع مشاريع المياه بالوطن وبكافه اشكالها كما هو يوم التدخين وسوف نرى ويرى المتخصصون كم من المياه يتم ترشيدها وسوف لن يتأثر احد من قطع المياه بهذا اليوم.
ان مشكلة المياه اليوم تتحكم بمصير البلد وحياة مواطنيه واجياله القادمة لذلك العراق اليوم احوج ما يكون لادخال التكنلوجيا الحديثة جدا لتطوير بلدنا زراعيا حيث بقى بلد الرافدين اولا واخيرا بلداً زراعياً كما كان عبر التاريخ.