المنبرالحر

بوكو حرام طالبان القارة السمراء/ احمد عواد الخزاعي

وصل الاسلام الى افريقيا عن طريق الفتوحات الاسلامية .. والتي بدأت بواكيرها بدخول العرب المسلمين بقيادة عمرو بن العاص الى مصر سنة 19 هجرية في خلافة عمر بن الخطاب (رض)..ومن ثم التوسع باتجاه دول شمال افريقيا (المغرب العربي)..ودخول عقبة نافع الى هذه المنطقة التي كان غالبية سكانها من البدو البربر ، ومنها انتشر الاسلام الى اغلب دول القارة السمراء عن طرق الصحراء الكبرى ..اضافة الى ان العرب قد وصلوا الى مناطق غرب افريقيا عن طريق البحر كتجار من الشطر الجنوبي للجزيرة العربية ، وهم الحضارمة في منتصف الالف سنة التي سبقت ميلاد المسيح (ع)..واقاموا على الساحل الافريقي مراكز تجارية وتزوجوا من سكانها الاصليين والذين كان يطلق عليهم اليونان بالزنج .. كما يشير الكاتب جوان جوزيف في كتابه (الاسلام في ممالك وامبراطوريات افريقيا السوداء)..واما الاسلام فوصل عن طريق البحر في عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، لصد هجمات القراصنة على سواحل جدة ..كما يذكر الكاتب محمد محمود الحويري في كتابه (ساحل شرق افريقيا عند فجر الاسلام )..ان سبب غزو المسلمين لسواحل افريقيا هو احتلال بعض القراصنة الاحباش ميناء عدوليس في جدة وجعلوه مأوى لهم فعندها امر الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان بالاستيلاء على المرافئ الغربية للبحر الاحمر ، ونزل الاسطول الاسلامي على سواحل مدينة مصوع الاريتيرية بعد ان سيطر على ارخبيل جزر دهلك التابعة لها ..ومن ثم انتشر الاسلام بصورة تدريجية في مناطق غرب افريقيا، وقد احدث هذا الغزو حالة من الامتزاج الحضاري والاجتماعي بين سكانها الاصليين والقادمين الجدد نتج عنها ظهور لغات جديدة نشأت بفعل هذا التلاقح ومنها اللغة (السواحلية ) والتي لازالت تتداول الى يومنا هذا ..وقد شهدت افريقيا هجرة عربية اسلامية ثانية حدثت بعد مقتل زيد بن علي بن الحسين ، ففي اواخر الدولة الاموية عانى اتباع الطائفة الزيدية في اليمن من الاضطهاد والظلم فهاجروا الى سواحل الصومال ولقبوا (الزيود) وقد ساهموا في نشر الاسلام في تلك المنطقة ..ويذكر المؤرخ فريليث .. (بان المستوطنين الغربيين قد دهشوا عندما وجدوا ان الاسلام قد سبقهم في تهذيب القبائل الوثنية الافريقية كما راعهم درجة التعلم والمهارة التي كان يتمتع بها المسلمون الافارقة في وتشاد والسنغال و نيجيريا ) ..وتعد نيجيريا من اهم واكبر هذه البلدان الافريقية اذ يبلغ عدد سكانها 154 مليون نسمة ويشكل المسلمون منهم اكثر من خمسين بالمئة والباقي من الديانة المسيحية وبعض الاقليات الوثنية ..ويتركز المسلمون في الجزء الشمالي من البلاد ويسيطرون على تسعة عشر ولاية من ولاياتها الاربع والثلاثين ، ويرجح العالم الديني النيجيري المولد عبد الفتاح اديلايو الى ان الاسلام دخل نيجيريا من الشمال في القرن الاول الهجري وفي زمن معاوية بن ابي سفيان بعد ان اخضعت مناطق شمال افريقيا للحكم الاسلامي ..وانشات اول امبراطورية مسلمة في نيجيريا في بداية القرن التاسع عشر عندما اعلن رجل الدين عثمان دان فوديو الجهاد ضد مملكة الهاتوسا في الشمال ليقيم امبراطورية الفولاني المسلمة وعاصمتها سوكوتو وسميت هذه الحرب بحرب الفولاتين ..وعرف عن الاسلام في نيجيريا بأنه ليس من الدرجة العالية من التنظيم والغالب عليه الطرق الصوفية وفي مقدمتها الطريقتان (التيجانية والقادرية )، ولهما الدور الرئيسي في انتشار الاسلام هناك..وقد ظهر فيها الكثير من الحركات التي اتخذت من الاسلام شعارا لها وكانت سببا لاندلاع اعمال عنف اثنية بين سكانها ومنها حركة (مايتاتسيني ) التي تزعمها رجل الدين الكاميروني الاصل محمد مروة في سبعينيات القرن الماضي وادعى انه يوحى اليه كما كان يوحى الى النبي محمد (ص)..وقد سيطرت على بعض مدن الشمال والتحق بها الفقراء والمهمشين ونتج عنها اعمال عنف وتم القضاء عليها نهاية الثمانينات ، واما الفكر السلفي فقد دخل الى نيجيريا مؤخرا عن طريق الجمعيات والمؤسسات والمدارس الدينية التي تشرف عليها بعض الدول الخليجية، والتي سعت الى نشر هذا الفكر في افريقيا والذي نتج عنه حركة (بوكو حرام) النيجيرية ..وهم جماعة اهل السنة للدعوة والجهاد والتي معناها باللغة (الهوسيه)..التعليم الغربي حرام ..وهي تعمل على تطبيق الشريعة الاسلامية في المناطق الشمالية المسلمة ومنع تدريس العلوم والثقافة الغربية في مدارسها وجامعاتها وقد اسسها محمد يوسف سنة 2002 على غرار تنظيم القاعدة الذي اسس في افغانستان ..وتعتمد في اغلب حراكها الدعوي على القادمين من تشاد والذين يتكلمون اللغة العربية فقط ..ومعظم اعضائها من الطلبة الذين تخلوا عن التعليم واقاموا لهم قاعدة في كاناما على حدود النيجر، ويتولى زعامتها اليوم ابو بكر الشكوى الذي تولى زعامتها بعد مقتل مؤسسها محمد يوسف على يد الشرطة في معتقله عام 2009 والذي سبب مقتله انتهاج هذه الحركة للعمل المسلح ضد الدولة ومؤسساتها وقد شنوا الكثير من العمليات المسلحة والتي كان اولها ..هجوم بالدرجات النارية والقناني الحارقة على مراكز الشرطة في مدن الشمال ، وتفجير سوق ابوجا عاصمة البلاد 2010 ثأرا لالقاء القبض على 92 من اعضائها ، تلتها عدة عمليات مسلحة ضد اهداف متعددة ..لكن التحول المفصلي في هذه العمليات حدث عام 2011 عندما شنت الحركة مجموعة من العمليات الانتحارية ضد مراكز للشرطة والتي اعتبرت الاولى من نوعها في تاريخ نيجيريا ..اما العملية التي سلطت الاضواء على حركة بوكو حرام فهي اختطاف 276 طالبة ثانوية مسيحية من مدرسة في مدينة برنو الشمالية ذي الاقلية المسيحية، وتصريح زعيم الحركة انه سوف يقوم ببيع الفتيات المختطفات كجواري وفق الشريعة الاسلامية ..والجدير بالذكر انه لازالت لحد الان توجد اسواق لبيع العبيد والجواري في افريقيا وخصوصا في (موريتانيا ونيجيريا )..لكن ماهي الدوافع الحقيقية التي تقف وراء تصاعد العنف في هذا البلد بهذه الطريقة الدراماتيكية مما ادى الى استهداف الطائفة المسيحية فيه بهذه الطريقة المهينة والاستفزازية على الرغم من ان الطائفتين قد عاشتا جنبا الى جنب بسلام لقرون طويلة .. ؟..من يريد معرفة الدوافع وراء هذه الافعال عليه ان يبحث عن المستفيد من كل ما يجري ..تعد نيجيريا من البلدان الغنية القلائل في افريقيا فهي عضو في منظمة اوبك وتحتل المرتبة الثامنة بين مصدري البترول في العالم حيث تبلغ صادراتها اليومية منه مليونين وستمائة الف برميل ..اضافة الى امتلاكها مخزون كبير من الغاز الطبيعي وهي اكبر منتج للكاكاو في العالم ..فمنذ استقلال نيجيريا عن التاج البريطاني عام 1960 والكثير من الدول الكبرى تسعى الى جعل موطئ قدم لها في هذا البلد، وبأي شكل من الاشكال وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الامريكية التي تعد المستورد الرئيسي للنفط منها ..وقد طالبت بوجود عسكري لها على الاراضي النيجيرية وقد جوبه هذا الطلب بالرفض من قبل الرئيس المسلم السابق (عمر يارادوا ) والذي دفع ثمن هذا الرفض بموته مسموما عام 2010 في ظروف غامضة ليحل محله الرئيس المسيحي الحالي (جودلاك جونثان )..الذي منع اجراء اي تحقيق في حادثة الاغتيال هذه ، وقد سبق هذه الحادثة عملية اغتيال زعيم ومؤسس حركة بوكو حرام محمد يوسف عام 2009 وهو في السجن على يد الشرطة على الرغم من انه قد قام بتسليم نفسه بصورة طواعية للشرطة النيجيرية ..وكان الغرض من هذا الاغتيال هو استدراج الحركة للتطرف والعمل المسلح والذي سيكون اول ضحاياه هم الشريك الثاني في الوطن الطائفة المسيحية، وقد تحقق جزء كبير من مما اريد من هذا السيناريو المعقد ، وها هي طلائع القوات الاميركية تصل الى تشاد لتمهد لتدخل عسكري في نيجيريا .. وبدأت قرع طبول الحرب في الغرب المسيحي على ارهاب بوكو حرام لتكون هذه الحركة الذريعة الرسمية لتدخل الغرب في نيجيريا ، وما فشلوا في تحقيقه عن طريق الدبلوماسية سيحققه لهم التطرف الاسلامي في اقامة قواعد عسكرية غربية الهدف المعلن لها هو حماية الطائفة المسيحية من خطر التطرف الاسلامي والذي تمثله حركة بوكو حرام لكن الاهداف الحقيقية التي تقف وراء هذا التحرك العسكري الغربي هو لضمان تدفق النفط والغاز النيجيري للغرب وانشاء موطئ قدم ستراتيجي لها في غرب افريقيا .