المنبرالحر

«أزمة الولاية الثالثة» / مازن العاني

يوما بعد آخر يتأكد اكثر أن هموم المواطن و احلامه المجهضة في وادٍ، وهوس الساسة بالسلطة و الثروة في وادي آخر.
حين توجه ملايين العراقيين الى صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الاخيرة كان يحدوهم الامل ان تحمل هذه المحطة الجديدة في المسار السياسي للبلاد شيئا من التغيير في واقعهم المعيشي و الاجتماعي و الثقافي، خصوصا وان كلمة «التغيير» كانت الكارت الذهبي الذي سُوّقت به الدعاية الانتخابية لاغلب الكتل المتنافسة، كما يعرف الجميع.
لكن حلم المواطن المدوخ بالصراعات والازمات و التيارات تبخر سريعا، ليكتشف ان القضية ظلت « مكانك سِر» و» كأنك يابو زيد ما غزيت»، واتضح له ان المتنفذين حريصون على ايقاظه من وهم التغييرالذي لازمه لحين، يوم دخل هؤلاء منذ اللحظة الاولى لظهور النتائج، وقبل اقرارها النهائي من المحكمة الاتحادية، في صراع مكشوف حول قضايا لا تمت بصلة مباشرة لمصلحة المواطن المغلوب على امره، صراع «الولاية الثالثة» و « حكومة الاغلبية» و» شراكة الاقوياء» ..الخ.
وادرك الجميع مبكرا ان «التغيير» الذي «زهت» به برامج الساسة المتنافسين وشعاراتهم الانتخابية لا يختلف عن «النصر» الذي كانت»تزهو» به معارك صدام الخاسرة في حروبه الخائبة، وظهر لهم ان الامر لم يكن أكثر من لعبة تبديل للكراسي و المواقع، هدفها كسب الاصوات من اجل الصراع على المناصب العليا في الدولة.
ويحتل الخلاف حول الولاية الثالثة المساحة الاكبر من الجدل الدائر اليوم.
هناك فريق يرى بالولاية الثالثة المفتاح السحري وضربة الحظ التي ستحل كل ازمات البلاد و العباد، و هذا تضليل للذات قبل ان يكون خداعا للآخرين. وهنا فريق آخر يرى في عدم التجديد لولاية ثالثة طريق العراقيين الى «الفردوس المفقود»، و في هذا مبالغة كبيرة ينبغي تجنبها.
نعم ان عدم التجديد بولاية ثالثة، بغض النظر عن الاشخاص، في ظل بلد يعيش تجربة ديمقراطية فتية ويمر بمرحلة انتقالية كالعراق شيء مطلوب، لانه سيقطع الطريق امام مساعي التفرد و الاستئثار والنزوع نحو الدكتاتورية لكن طريق الخلاص الحقيقي مما نحن فيه من أزمات يكون من خلال تغيير حقيقي يتضمن انهاء نظام المحاصصة، وتغيير نمط التفكير و منهج العمل و الاداء واسلوبهما، وتغيير طريقة التعاطي مع المشاكل و الازمات التي يعيشها البلد.
وهذا ما يحلم به المواطنون و يتطلعون اليه. غير ان الطريق لتحقيقه ما زال طويلا و عسيرا في ظل النتائج التي افرزتها الانتخابات الاخيرة والتوازنات و الاجواء القائمة. و لن نستغرب اذا فاجأتنا القوى المتصارعة غدا بصفقة لتقاسم المواقع والامتيازات «حصة إلك حصة إلي» وتعيد الامور الى المربع الاول، ويختفي غبار المعارك الاعلامية و السياسية الحالي لوهلة قصيرة، ليعود من جديد جارا خلفه البلاد الى دوامة جديدة.