المنبرالحر

النقد و المزاج المتقلب/ مرتضى عبد الحميد

يعتبر النقد رافعة أساسية لتقويم أية عملية أو ظاهرة سياسية أو إقتصادية إجتماعية ، او في بقية المجالات الأخرى ، فمن خلاله يمكن تشخيص الأخطاء والنواقص والسلبيات ، ومن ثم وضع الحلول والمعالجات المناسبة والقابلة للتنفيذ . كما يشترط النقد السليم إظهار الايجابيات والنجاحات بغية ترسيخها وتطويرها وتوسيع مساحتها . اي ان علاقة جدلية تربط بين طرفي النقد ، و إلا تحول إلى مجرد هجاء أو شخصنة ، إذا جرى التركيز على السلبيات فقط ، وكذلك إذا إقتصر على إبراز الايجابيات لوحدها ، فأنه سيكون بمثابة بوق من أبواق الدعاية ، وعدم الجدية في إصلاح الأخطاء .
هذا هو ببساطة مفهوم النقد الذي يصطلح على تسميته بالنقد البناء ، وهو على النقيض تماماً مع النقد الذي يستهدف الآخر ويسعى الى تشويهه وإسقاطه ، أو النقد لأجل النقد . وبغض النظر عن الدوافع الشخصية لمن يمارس عملية النقد ، فان عليه واجب التحلي بالموضوعية والحياد قدر الإمكان ، وان يكون ملماً بالموضوع الذي يتصدى لنقده ، أو لإبداء وجهة النظر فيه ، وهذا ما يمارسه الناس الأسوياء والحريصون حقاً على الإصلاح والتغيير ، والراغبون في تقليص مساحة السلبيات ، وترجيح كفة الايجابيات .
لكن البعض يمارس النقد كهواية لتزجية الفراغ ، او كرد فعل على عمل معين أو حصيلة لا تعجبه ، أو لا تتطابق مع رغبته أو طموحه ، فتراه ينقلب على ما قاله بالأمس القريب ، ويدفع بنقده للوقوف على رأسه بدلاً من قدميه ، ويتحول من متطرف في كيل المديح والثناء إلى متطرف في النقد والهجاء ، كما حصل لبعض الإخوة الذين لا شك في نوايا غالبيتهم الطيبة تجاه الحزب في موضوع الانتخابات البرلمانية ، ونتائجها. النتائج التي نتفق جميعاً على إنها دون مستوى الطموح، لكنها مع ذلك تشكل بداية لا بأس بها ، لطريق طويل، يتوجب على القوى المدنية و الديمقراطية السير فيه إلى نهايته، لكي تستطيع أن تلعب دورها المأمول منها في إعادة بناء العراق على أسس المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .
هناك أيضاً نفر لا يريد بنقده سوى الهدم ليس إلا ،أو تصفية حسابات شخصية أو سياسية مع هذا الطرف أو ذاك ، وفي أحسن الأحوال يكون تبريراً لإخفاقاته الذاتية وانكساره الداخلي ، فيلقي باللوم بمناسبة وبدونها على ألاخرين ومنهم الحزب .
ولإننا بلد متخم بالحزن والكابة ، سأروي لكم حادثة طريفة ، لها دلالاتها الواضحة على هذا النوع من ( النقد ) : في امسية ثقافية اجتمعنا على طاولة واحدة خمسة اشخاص ، كلنا معارف وأصدقاء . وكان احدنا مولعاً بمتابعة الأخبار في شتى بقاع العالم ، فقال ضمن أحاديثه إن شرطياً اسود من قبيلة الزولو في جنوب أفريقيا قتل على يد احد البيض ، ودون ان ينتظر احد الاخوة الحاضرين تتمة الحديث سارع الى توجيه انتقاد شديد اللهجة الى الحزب الشيوعي العراقي ، لانه حسب رايه يعتمد البيروقراطية في تعامله مع الرفاق والحق الاذى بالكثيرين منهم ... الخ ! فانفجرنا وبوقت واحد في ضحك متواصل ومن القلب ، ثم سالناه ما علاقة هذه الحادثة بالحزب ؟ اعاد لافض فوه نفس الكلام وأضاف له شيئاً بائساً جديدا ، علما بان هذا الشخص خرج من العراق مبكرا في زمالة حزبية إلى إحدى الدول الاشتراكية ، وقضى هناك أحلى سنوات عمره ، وحصل على شهادة عليا في اختصاصه ، لكنه أصر على ممارسة هذا النوع من النقد ، بعد أن منح ضميره إجازة مفتوحة .
لا نأتي بجديد إذا قلنا بأن الشيوعيين يرون في النقد سلاحاً فكرياً وسياسياً مجرباً لتصحيح الأخطاء ، وتحسين الأداء ، وهم يمارسونه على نطاق واسع وبشكل ديمقراطي في حياتهم الحزبية الداخلية ومع الآخرين ، ولا يخشون على الإطلاق الاعتراف بأخطائهم ونواقصهم ، بل هم يرحبون وبإمتنان عميق بالنقد البناء والمنصف ، النقد الموضوعي الذي يوجه لهم ، ويستفيدون منه فائدة كبرى لتعظيم انجازاتهم ونجاحاتهم ، ولا يلتفتون إلى النقد الذي يخرج عن هذه الضوابط والمواصفات .

مرتضى عبد الحميد