رحت اتمعن في عوامل ومقومات الخلاص من الورطة الجديدة التي حلت بوطننا واثخنته بجراح جديدة وزادت من نزفه المهراق. ولكن هل يصح الهروب الى امام دون معاينة اسباب النكسة ، الانتكاسة ، الهزيمة ، الكبوة ، سمها ماشئت ؟
ما حصل مآساة وكارثة بكل معنى الكلمة، وعلى الجميع، واولهم من هم في المواقع المتنفذة ، الآمرة الناهية ، الاقرار بانها ليست بدون مقدمات ولا اسباب . فالتحذير مما هو قائم الان وما حصل، بادر اليه العديد من الاحزاب والقوى وفي وقت مبكر، ومنها الحزب الشيوعي العراقي. ونكرر القول ان الاوضاع اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات ، حتى اكثرها سوءا ، والاعتقاد الاكيد هو ان في ما حصل من اجتياح داعش والمتحركين الاخرين باسمها وتحت مظلتها ، لعدد من محافظات بلدنا ومدنه فيه من السوء الكثير . وهل هناك اسوأ من ان تخضع مدننا لسيطرة مئات من الارهابيين القتلة والظلاميين وفلول النظام المقبور ، فيما الدولة تملك قوات فاق عديدها المليون ؟
واذا اردنا ان نصدق بنظرية « المؤامرة « في ما يخص الموصل ، فبماذا نفسر اخلاء العديد من المواقع الاخرى طواعية، وحتى قبل ان يصلها الداعشيون ومن لف لفهم وبدون ان تطلق طلقة واحدة ؟ وهذه المواقع بعيدة عن الموصل ومدنها !
هذا وغيره من الاسئلة، وهو كثير، يدور في اذهان المواطن ، فيبحثون عن اجابات عليه. فيما راحت التطورات الميدانية المؤسفة تضيف كل يوم ، بل كل ساعة اسئلة جديدة ، وما زال الغموض واللايقين سيدا الموقف .
فهل ان ما حصل بعيد عن مقدماته السياسية ، والاجواء السائدة في البلد ، وحالة الاحتقان واجواء الشكوكية وانعدام الثقة والاستعصاء السياسي، والازمة العامة التي تعصف به منذ مدة ؟ وهل هو بعيد عن الادارة السياسية العسكرية للملف الامني برمته ، وعن طريقة والية بناء القوات المسلحة ؟ وهل لا صلة له بحالات تجاهل مطالب الناس وحقوقهم، والاستخفاف بمطالبهم، وشيوع حالات الاقصاء والتهميش والتمييز، والتفرد والاستئثار بالقرار ، والشحن الطائفي وتأجيج المشاعر وتوجيهها بما يخدم مصالح آنية ضيقة دون اعتبار للنتائج ولمآل الامور ، اضافة الى سياسة اسناد مواقع الوظيفة العامة ، السياسية والعسكرية ، بعيدا عن مبادئ الكفاءة والاخلاص والوطنية ، واعتماد الولاء بدلا منها؟
على ان المتابعين الجادين لتطورات الاوضاع في بلدنا لا يمكنهم تجاهل اس المشاكل والازمات ، ونعني نظام حكم المحاصصة الطائفية والعرقية، الملعون من البعض ظاهرا ، لكنه المحبب لهم والمفضل منهم، طالما يضمن لهم كرسي السلطة والمغانم والمكاسب !
يتناسى هذا البعض عن عمد وقصد الازمات التي ولدها هذا النظام ، لذا يقودون البلد ببراعة يحسدون عليها من ورطة الى اخرى ، من دون ان يرف لهم جفن ، ومن دون ان يبذلوا جهدا ولو بسيطا لمراجعة ما حصل، والوقوف عند اسبابه، والسعي الى معالجته. فبدون ذلك لا أمل يرتجى ، والبلد سينزلق الى ما هو أسوأ ، في ظل اجراءات تكرس التخندق في المواقف والسياسات ، ولا ترتقي الى مستوى الكارثة حتى الان . فيما التحذير واجب من الانجرار الى حالات تستغل الظرف الطارىء، وتكرس امرا واقعا، بعيدا عن التوافق الوطني المطلوب .
فالنجاح في تخليص بلدنا مما هو عليه ، يرتبط من دون ريب بمعالجة اسباب وعوامل الكبوة والاخفاق الحاصلين. وما لم تتم معالجة ذلك على اسس واضحة ، سليمة ومتينة ، تراعي مصلحة الوطن العليا ووحدته الوطنية والحفاظ على نسيجه الاجتماعي ، فان عوامل اخرى ستضاف الى اسباب الانتكاسة ، وسيغدو الخطأ خطيئة !
وذلك هو الضياع بعينه ، الذي لا نريده لوطننا او نتمناه. وطننا الذي يستحق الافضل، والذي يتوجب على الجميع الاسهام في تأمين مستلزماته.