المنبرالحر

مساران للمواجهة.. والثالث خراب / عبد المنعم الاعسم

نتحدث عما حصل في الموصل. عن خاصرة جغرافية ومجتمعية وتاريخية عراقية اختُطفت بقوة عسكرية اغارت عليها من الخارج، على شكل احتلال. لا يقلل من هذا الامر ان يكون المحتلون، في غالبيتهم عراقيين، ولا يزيد من طابع الاحتلال وجود مقاتلين اجانب في صفوف المغيرين او في حلقة قيادتهم. وهذا كله لا يبرر عدم ملاحظة خلفيات الاحداث وتلك السياسات «المركزية» ومواقف اللاعبين في ساحة الصراع، إذ اتسمت جميعا بضيق الافق والتخبط والفساد والعجز والانانية الفئوية والطائفية.
اقول، ان طريقة الاجتياح والادوات التي استخدمت فيه واستعراضات القوة التي رافقته والرسالة التي اطلقها، تُجمع على ان المهاجمين تصرفوا كمحتلين، انتقاميين، توسعيين، ولا يحملون مشروعا سياسيا يسعون لترجمته الى واقع البلاد. ولم تكن خطواتهم الاولى في ادارة المدينة تمثل بديلا إلا في الاجراءات الرادعة للسكان وفي الرطانات الدينية. وعلينا ان نضيف ان المهاجمين ازاحوا حكومة محلية منتخبة لم تكن على حالة وفاق سياسي مع المركز، وان الشعارات السياسية للغزاة لم تكن لتختلف كثيرا عن شعارات قيادة هذه الحكومة: عدم الرضا من سياسة رئيس الوزراء نوري المالكي، مع شكوى من الصفة الطائفية للحكم او من التهميش الطائفي لسكان المدينة ومدن اخرى في غرب العراق.
في هذا، ثمة منطق رسخته تجارب دول كثيرة تعرضت للنشاطات «الجهادية» المسلحة: الردع العسكري وحده لا يكفي لاستئصال العارض الارهابي، سيما وان هذا العارض جزء من «حركة» عالمية تضرب في مناطق كثيرة في جنوب العالم يعاني سكانها، او بعض مكوناتهم، من انظمة فاسدة، ومظالم واعمال تهميش وسياسة عقاب جماعي. وتأخذ ردود الافعال في ظاهرها طابعا دينيا او طائفيا، لكنها لا تختلف في أبعادها الاجتماعية والسياسية كظاهرة اعتراض على لا عدالة النظام الدولي، كما لا تختلف في اساليب العنف و التجييش والتنكيل الاعمى بالمدنيين التي تستخدمها بافراط وبنزعات اجرامية.
احداث الموصل، من جانب تمثل تهديدا خطيرا لأمن البلاد ينبغي، وفق جميع القوانين والاعراف والموجبات الدستورية، ردعه والحاق الهزيمة به، وبادواته وشعاراته، بكل ما متاح من القوى و الامكانيات. وهي من جانب آخر، فصل آخر، اكثر تطورا، من فصول الاحداث التي عصفت بمنطقة الانبار منذ اكثر من عام. وقد جُربت الحملات العسكرية المتتالية لانهائها من دون جدوى، كما فشلت سيناريوهات التسوية السياسية الحكومية عن طريق تجنيد (و إرشاء) الاتباع، الامر الذي يعيدنا الى أصل السؤال عن المسار السياسي البديل الذي ينبغي تفعيله، عناصره ورافعاته، وذلك بموازاة استخدام القوة الذي ينبغي ان يتجنب محاذير ايذاء المدنيين الابرياء.
ان الاجراءات والمعالجات والحلول السياسية و الادارية والهيكلية مطلوبة وضرورية وعاجلة، في حال تساعد على تقليص قاعدة التمويل البشري للغزاة المحتلين. وبمعنى آخر، العمل في منظومة متكاملة من المعالجات السياسية بما يعزل الغزاة عن الجمهور الذي لا يجمعه جامع بالتطرف والعنف ومشروع الكراهية الدينية. وبالقدر الذي تنجح تلك الاجراءات في اشاعة الاطمئنان والثقة حيال نيات «المركز» بين السكان الذين ينشط المسلحون بين ظهرانيهم، فان الحل وبسط الامن والاستقرار واعادة البناء سيكون في متناول اليد.
الردع الواعي، والبرنامج السياسي الواقعي مساران للحل، وثالثهما الخراب العام.
«الخطر حافز كل العقول العظيمة».
جورج شابمان- كاتب انكليزي