المنبرالحر

موقع الموصل .. وسط القلب / جاسم الحلفي

دخلنا، الصديقين حيدر الشيخ علي وفارس كريم فارس وأنا، مدينة الموصل يوم 9 نيسان عام 2003، ضمن قوة من انصار الحزب الشيوعي العراقي، قبل ان تستبيحها قوات الاحتلال الأمريكية بهدف فتح مقر للحزب ونقل نشاطاته من السرية التي فرضت عليه ابان حكم الدكتاتورية، الى العلنية. ولا انسى منظر شيوخ المدينة الاجلاء وهم يستوقفون موكبنا طالبين النجدة، ومنهم من خضب الدمع لحيته الكريمة، وكان ذلك بسبب فزعهم من فعل «الحواسم» المشين، الذين نهبوا مؤسسات الدولة. وكان هذا اول عهد للموصل بـ «الحواسم» في التاريخ المعاصر كما اتضح في ما بعد. وقد عز عليهم نهب الكتب المهمة والمخطوطات النفيسة من المكتبة العامة، وطلبوا منا مساعدتهم في ابعاد «الحواسم» عنها، نقل الكتب الى الجامع كي تحفظ، ريثما تعود الدولة لممارسة سلطتها وتفرض الامن، حتى تعود الامور الى طبيعتها.
تذكرت ذلك المنظر حال ورود الصور الاولى لزحف الغزاة الجدد «داعش» وحلفائه الاوباش. وقلت مع نفسي: اذا كان «الحواسم» حاولوا سرقة الكتب، فهؤلاء الاوباش سيحرقونها، كما أحرق اسلافهم كتب الفيلسوف بن رشد. وستمتد اياديهم الآثمة الى طمر أي معلم حضاري، ولن تسلم من افعالهم الشنيعة حتى القبور. هكذا عرفناهم، فهم خريجو مدرسة طالبان الهمجية، عدوة الحياة.
لم نتوهم في ذلك، فبعد ساعات من استباحتهم مدينة الموصل، وقبل ان تنتهي فصول تمثيلية الحفاظ على الممتلكات العامة، التي اعلنوا عنها، سارعوا الى سفح الدماء البريئة، وها هم يعتدون على الكنائس، ويعدمون كل من لا يتفق معهم. فتهمة عدم مبايعة رجل دين لهم، تكفي كي يفرغ مجرم «داعشي» طلقات مسدسه في رأس انسان بريء، في حفلة اعدام علنية مفزعة. وتبقى صور القتل الشنيعة التي اقدموا عليها تهز الضمير والوجدان الانسانيين. ولك ان تتصور تصرفاتهم تجاه اي فكر أو ثقافة محورها الانسان.
هذه الجرائم المدانة التي اقترفت بدم بارد، هي مفتاح الرفض والمقاومة التي سيبديها الموصليون تجاه هؤلاء القتلة. وهي، وغيرها الكثير، ما ستجعلنا نتوحد في تأييد جيشنا ومؤازرته وهو يخوض صفحات القتال الصعب من اجل سلامة العراق، ودرء المخاطر عنه، وتنظيفه من ادران العسف والاستبداد والتخلف.
ان سلوكيات «داعش» الغريبة عن اهالي الموصل الكرام، والتي أتت مع هؤلاء الغرباء عن قيم التحضر والتمدن، سرعان ما تكشف الخطاب المراوغ الذي اراد ان يمرره بعض حلفاء «داعش».
ليس للغزاة مكان في ارض نينوى، ونينوى مثل بقية مدن العراق، عصية على الاحتلال ولن تخضع للغزاة. وحق لاهل نينوى على كل العراقيين، ان يقفوا معهم في محنتهم اليوم، وهاهم اهل العراق الذين تعز عليهم نينوى واهلها، يستعدون للذود عنها بأرواحهم.
فموقع نينوى في القلب دوما.