المنبرالحر

الاسوأ من داعش../ عبد المنعم الاعسم

لا مستقبل لمشروع ووجود داعش في الموصل وفي غيرها مهما اتسعت في القوة والنفوذ، ومهما اوتيت من بربرية القتل والابادة والتدمير، فلن تصمد فلول الجماعة حتى وإن بلغت ما بلغته حركة طالبان واسست امارة في العراق او فوق جزء من اراضيه، وهذا التصور لا ينطلق من التمنيات او الحتميات او الرطانات الدينية ولا من التعويل على دعم اقليمي او دولي، او من المراهنة على «صحوة» بين الحواضن السكانية تطيح بهذا المشروع الارهابي الى المزبلة.
فثمة حقيقة معروفة في استراتيجيات وتجارب مكافحة الارهاب الدولية ان التنظيمات «الجهادية» المسلحة التي تقوم أصلا على فكرة حرب العصابات فشلت في اقامة، وضمان استمرار، مواقع ثابتة لها على ارض محدودة، إذ تصبح هدفا سهلا لحرب مواضع غير متكافئة مع جيش الدولة او الدول المتضامنة. حدث هذا في افغانستان والشيشان وباكستان والصومال حتى زنجبار في اليمن، وتتحدث أدبيات القاعدة ورسائل ابن لادن عن جدوى الخلايا النائمة «في باطن الارض» كأفضل سبيل وقائي لتحقيق اهداف الحركة بديلا عن الامارات المعلنة «فوق سطح الارض».
وإذ نتحدث عن المستقبل فاننا لا ينبغي ان نقع في التبسيط فنفترض ان هزيمة داعش على يد القوات العراقية وكتائب المتطوعين ستمهد الطريق بالضرورة الى معافاة الوضع الامني والسياسي في العراق، أو انها ستعيد العقل السياسي النافذ في معادلات السلطة والمعارضة الى موضعه الصحيح امام مسؤولية تصويب مضامين ومسارات ادارة الدولة وهياكلها، بل اننا نرصد من الآن إشارات محبطة عن تمسك اطراف الصراع السياسي بادواتها وأنانياتها فوق طائفية اضافية متوحشة وشوفينية اكثر عدوانية، وسيكون مستقبل العراق، اذا ما أعتُقل في هذا العقل، غير الراشد، اسوء، ربما من حاضر داعش وما الحقته، بجرائمها، من اضرار فادحة بالارواح والاموال والعلاقات بين ابناء الشعب الواحد.
المشكلة ان العقل السياسي الفاسد، يفهم مصلحة الوطن من زاوية السلطة ومآلها، وهو يستعين دائما برذائل عدوه. يُعجب بها، ويتمثلها، ثم يعيد انتاجها على صورة اكثر بشاعة واقل مهارة. حدث في الحنين الى عهد صدام حسين والاستعانة بمنهجه وشوفينيته وغطرسته واستعراضاته الاستفزازية. انظروا كيف يتحركون في مواكب مدججة لا تختلط بالجمهور، وان صورهم (وليسوا هم) هي التي تصافح المارة والاطفال والشحاذات في الشوارع، الامر الذي يثير الخشية من ان تتحول دروس داعش في إدارة الغزو وتدمير المدن وإذلال النساء وانتهاك الكنائس وقمع اتباع الاديان وتنظيم محاكم الساحات العامة والاستعراضات المليشوية في الشوارع الى تطبيقات يمارسها اصحاب العقل السياسي المأزوم.. بالصوت والصورة.
/اقول ثمة خشية من هذا، واضيف: ثمة بصيص أمل بان لا يحدث.
**********
"إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء".
خورخي بورخيس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بالتزامن مع جريدة «الاتحاد»