المنبرالحر

أمريكا والبحث عن فرصة ضائعة بالعراق / خضر عواد الخزاعي

لقد كشفت الأحداث الأخيرة في العراق وفي محافظة نينوى بعد إحتلالها من قبل المجموعات المسلحة التي تنتمي إلى تنظيم داعش الإرهابي وتهديدها بالزحف إلى بغداد ومدن ومحافظات عراقية أخرى كشفت العجز الأمريكي وعدم وجود أي أرادة حقيقية للتدخل في العراق لحماية العملية الديمقراطية رغم وجود الإتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا الموقع عليها من قبل رئيس وزراء العراق نوري المالكي والرئيس الأمريكي بوش في 2008 والتي من أهم فقراتها حماية وحدة وتراب العراق وسيادته عند تعرضه لأي هجوم أو خطر خارجي يهدد وحدة ترابه وعمليته السياسية (عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه، من شأنه انتهاك سيادته أو أستقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة، ويقوم الطرفان، بناء على طلب من حكومة العراق، بالشروع فوراً في مداولات ستراتيجية، وفقاً لما قد يتفقان عليه فيما بينهما، وتتخذ الولايات المتحدة الاجراءات المناسبة، والتي تشمل الاجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي اجراء اخر، للتعامل مع مثل هذا التهديد (فبعد أكثر من 10 سنوات يكتشف المواطن العراقي أن العراق لايمتلك سوى طائرة حربية مقاتلة واحدة ممنوع عليها المشاركة بالعمليات العسكرية وليس لديه أي سلاح ثقيل يواجه به أعدائه أما سياسياً فلقد بدى الموقف الأمريكي متذبذباً ومائعاً ولا يتسم بأي ثبات إتجاه ما يواجهه العراق من أخطار وبعد مايقارب من العشرة أيام من الأحداث مازال الموقف الامريكي يراوح في مكانه بين فرضيات وتنظيرات لاتمت للواقع بصلة فمرة يخرج الرئيس أوباما لوسائل الاعلام متحدثاً عن أن الأمن القومي العراقي جزء لا يتجزء من الأمن القومي الأمريكي وأن أمريكا بصدد إتخاذ قرارات عسكرية خطيرة منها أرسال جنود وتوجيه ضربات عسكرية لضرب المسلحين وطردهم من العراق ثم بعد ذلك تتغير لهجة الخطاب على لسان الرئيس أوباما متهماً القوى السياسية بانتهاج سياسة طائفية أوصلت العراق إلى ما وصل إليه ويشترط أرسال المساعدات العسكرية والتدخل العسكري باتفاق قادة العملية السياسية وتوحدهم أولاً قبل الشروع بتقديم تلك المساعدات وفي وجهة نظر ثالثة يعزو الرئيس أوباما إلى أن الحل في العراق حل سياسي وليس عسكري وذلك بتشكيل حكومة وطنية شاملة لجميع مكونات الشعب العراقي وكأن الحكومة الحالية لم تكن حكومة شاملة وحكومة ( مشاركة وطنية ) وآخر ما نقلته لنا وسائل الأعلام العالمية تصريح للرئيس أوباما أن أمريكا لاتملك أي حل عسكري بالعراق وبالتالي فهو يرمي الكرة من جديد في ساحة الفرقاء السياسين الذين سيحاولون أن يجعلوا من الخطاب الأمريكي نقطة إنطلاق لنوع جديد من الصراعات والمماحكات السياسية رغم كل ما يواجه العراق من أخطار أمنية تهدد سلامته الوطنية .
أن الموقف الأمريكي المتردد في العراق ليس بجديد فأمريكا منذ الأيام الأولى لدخولها أرض العراق في 2003 فشلت في رسم خارطة سياسية وطنية تقوم على أستيعاب جميع الأطياف السياسية وبناء أرضية سياسية تستوعب الجميع بمشروع وطني سياسي يحتوي الجميع ويقدم تجربة رائدة في البناء الديمقراطي ليس بالعراق وحده بل في المنطقة بأجمعها لكنها للأسف ظلت أسيرة رؤى وحلول وقتية ضيقة تقدمها لها مراكز الدراسات والبحوث الأمريكية والأوربية وكذلك ماتفرضه عليها الدول الاقليمية ذات التوجهات الطائفية المعروفة بعدائها للعراق والتجربة السياسية العراقية مثل قطر وتركيا والسعودية ولم تستطع خلال السنوات الماضية من التحرر من سطوة تلك المشورات والفرضيات البعيدة كل البعد عن الوضع العراقي .
أذا كانت الأنتخابات العراقية الأخيرة بنتائجها قد حاولت أن ترسم صورة جديدة للواقع العراقي من خلال رفع شعار حكومة الأغلبية السياسية فأن ماحدث بالموصل لم يكن إلا مقامرة دفعت بقوى سياسية خاسرة بالأنتخابات بالوضع الأمني أن يصل إلى ما وصل إليه تعويضاً عن فشلها الذريع في السياسة وهاهي نفس القوى المتلاعبة بمصير العراقيين تتلقف الإشارات الأمريكية العاجزة وتلوح بها كحل للمعضلة السياسية وتناست هذه القوى حجمها الطبيعي الذي أفرزته الانتخابات ومدى شرعيتها بالشارع العراقي .
بعد أحداث الموصل لم يعد مقبولاً أن تظل القوى السياسية القديمة ممسكة بالقرار السياسي بالعراق فلقد تجاوزتها الأحداث وأذا كان لابد من عملية سياسية فأنها يجب أن تقوم على أنقاض مجمل العملية السياسية الفاسدة القديمة التي أربكت الوضع العراقي وأدخلته إلى نفقه المظلم وأن الحل يجب أن يكون عسكرياً بالدرجة الأولى بمحاربة قوى الإرهاب وإخراجها من كل العراق وتصفية الواقع العراقي من كل القوى الإرهابية والقوى السياسية الداعمة له قبل البدء بأي عملية سياسية الغرض منها مكافاة المنهزمين سياسياً وجعلهم في واجهة إعلامية ليكونوا أبواق للجماعات المسلحة بحجة المطالبة بحقوق الطائفة المهمشة .
أن الشارع العراقي بجمهوره الواسع الذي لبى نداء المرجعية وحمل السلاح للدفاع عن العراق يجب عليه أن لايسمح بتكرار عملية سياسية كانت في بعض فصولها حاضنة للإرهاب ومدافعة عنه وأذا كانت من بقية لإرادة سياسية حاكمة فأن عليها أن لاتراهن على أي موقف أمريكي داعم للعراق وبالتالي عليها أن تتحرر من حالة الأنقياد الأعمى للسياسة الأمريكية المتخبطة والتي ليس له أي ملامح أو ارادة بدعم العراق لذلك على العراقيين في النخب السياسية وفي الشارع العراقي أن ينفضوا أيديهم من أمريكا التي لم يعد لها أي حاجة بعد مرور كل تلك الأيام الصعبة من أحداث العراق والتوجه بخيارات عالمية أخرى بديلاً عن أمريكا وسياستها الغير ثابتة والمتأرجحة بالعراق والعالم ويجب أن يكون قرار مكافحة الإرهاب ومحاربته بالعراق قراراً عراقياً بالدرجة الأولى لا يستند إلى أي أرادة وقرار خارجي وعلى من يتبوء سلطة إتخاذ القرار العسكري والسياسي أن يتحلى بالجرأة والشجاعة ليبحث له عن بديل عالمي داعم غير أمريكا التي أثبتت التجارب المحلية فشلها في تقديم أي مبادرة تساعد العراقيين على الخروج من أزماتهم التي أوجدها التدخل الامريكي المباشر بالعراق بعد 2003 .