المنبرالحر

متى نستعيد الحس الوطني ؟ / مرتضى عبد الحميد

يقال دائماً إن المشكلة الحقيقية تكمن في النهج، وفي طريقة التفكير، وبالتالي في الأشخاص الذين يتبنون هذا النهج ولا يريدون أن يتخلوا عنه مهما تغيرت الظروف والأحوال. وهو ما يعكس ضيق أفقهم وجمودهم على أساليب عمل عفا عليها الزمن.
مناسبة هذا الحديث هو الإصرار العجيب لأطراف العملية السياسية الفائزين بالانتخابات على الاستمرار بصراعاتهم العبثية، رغم ما يتعرض له الوطن من أخطار تهدد بنسف كل شيء. تلك الصراعات التي أنهكت البلد، وأوصلته إلى حافة الانهيار، إن لم نكن قد دخلنا مرحلة الانهيار فعلاً. ولا يتردد أي إنسان واع في إلقاء مسؤولية ما جرى من أحداث خطيرة في الآونة الأخيرة، واحتلال نينوى وصلاح الدين بالإضافة إلى الفلوجة من قبل عصابات إجرامية تريد العودة بالعراق إلى العصر الحجري، على ما هو فيه من تخلف يعيشه الان، إلقائها على القوى السياسية المتنفذة ذاتها، وفي مقدمتها حكومتنا «الرشيدة» التي فشلت في كل شيء. وإذا بقيت الأمور على حالها في الفترة القادمة لا قدر الله، فسوف لن يبقى شيء اسمه العراق، لا شعباً ولا أرضاً. وستكون الحرب الأهلية الطائفية هي سمة المرحلة القادمة ، بين أمراء الطوائف حتى داخل الدويلات التي يصطنعونها الآن.
هذا كله متوقع، لان النتائج تقاس بمقدماتها، والمقدمات كانت سيئة إلى ابعد الحدود، لكن ما يخرج حتى عن سياق المشهد الغرائبي السائد حالياً في العراق إن ممثلي هذه القوى السياسية، ورغم المحنة، بل الكارثة الوطنية الكبرى التي يعيشها شعبنا الآن، مستمرون في تبادل الاتهامات وتخوين بعضهم بعضاً، دون الالتفات إلى الخطر الداهم.
وكأنهم مصرون على تطبيق المثل المعروف (عرب وين طنبورة وين). وبدلاً من توحيد جهودهم وكل طاقاتهم، وتأجيل خلافاتهم «المبدأية» إلى حين انجلاء الغمة وإنقاذ بلدنا من «داعش» وبقايا البعث وبقية الإرهابيين القتلة، نراهم وقد أوغلوا في العبث بمصير البلد، وفي الإصرار المرضي على الاستمرار في تبادل الاتهامات وعبارات التخوين النابية.
لكن في الأيام الأخيرة، وبعد لقاء قادة الكتل السياسية (الذي جاء بضغوط خارجية) خفت حدة هذه الاتهامات، وهدأ الخطاب السياسي إلى حد ما، وهو ما يحسب لهذه القوى والحكومة أيضاً، أملين الاستمرار في هذه التهدئة، وعدم الانجرار مجدداً إلى ما تريده «طنبورة» فالوطن في خطر، والشعب يعاني الأمرين، ويلفه القلق والخوف من قادم الأيام، فكونوا عوناً له ولا تخذلوه من جديد. كما ليس من الصحيح ترحيل مشكلتنا إلى خارج الوطن، فالحل بأيديكم، وطوع بنانكم. إن كنتم صادقين وان تحليتم بإرادة سياسية صلبة سداها ولحمتها الحس الوطني، وقد قالها قبل ما يقارب الألف سنة الفيلسوف العربي ــ الإسلامي المعروف «محي الدين ابن عربي» ( ما اثر فينا غيرنا) أي إن العامل الداخلي هو الأساس وهو المعول عليه.