المنبرالحر

المحنة وإعادة خلق الوطن / ئاشتي

يستنزف حلمك أصول تواجده بين جفنيك ويختفي عند حدود لحظة اليقظة لكي لا يتحسسه غيرك، فهو (أي الحلم) لم يكن على استعداد أن يزور جميع الأجفان، لأن هناك منْ لا يرغب في امتحان حقيقة الحلم مثلما لا يرغب في تحوله إلى حقيقة، لأن الحقيقة هي فعل الزمن الآتي في إقصاء الآخر، والأخر لا يستطيع أن يتقبل فعل الاقصاء مادام هو الفاعل الأول في التحكم حتى في الأحلام، لهذا فأن أي تجاوز على ما هو قائم لا يعني أكثر من تجاوز على محرمات غارقة في طلسم الصيانة عن كل مكروه، وهذا ما يجعل الحالة لا تعرف غير الاستعصاء وفقدان مفاتيح الحل الأمثل، وهوما يجري في وطننا العراق منذ أكثر من خمسة عشر يوماً، عصابات من المرتزقة تفرض سيطرتها على مدن عراقية وتصبح واجهة لقوى مجتمعية عراقية تلوذ بحب العراق مثلما يلوذ بحبه ابن الجنوب، والمشكل الأعقد ليس هناك من يتعامل مع هذا الذي يحدث بروح التسامح والتفهم، لهذا نرى أن ما يكتنف الوضع من ملابسات، يجعل المواطن العادي في حيرة من أمره، يقف مع منْ وضد منْ؟ ومن دون ريب ان هذه الأزمة ستخلق لنا عراقا آخر، عراقا يقف على قدميه عندما تنبري القوى الخيرة فيه لتجاوز اشكالياتها وخلافاتها التي لا تعني أكثر من الاجابة على سؤال: كيف سيكون العراق؟ انها المحنة الخلاقة والتي لابد أن تخلق لنا عراقا يختلف عما هو عليه وما نحن فيه، لأنه سيكون عراق مخاض صعب.
يستنزف حلمك أصول تواجده بين جفنيك وسوف لن يختفي عند حدود يقظتك، لأنه الحلم الذي سوف تراه واقعا ملموسا يسير على قدميه في شوارع بغداد وينثر ورود محبته على شرفات النوافذ، وهذا سر لا يعرفه غير أهل العراق، فكلما ألمت به نائبة تناخى له النخل قبل البشر، ومدوا بساط التقائهم من اجل عينيه حتى يعيدوا خلقه من جديد، لأنهم يعرفون جيدا انهم بدون هذا العراق لا يترك التاريخ لهم مكانا على هوامشه، لهذا تراهم في لحظات العسر رغبات طيعة من أجلهم ومن أجل الوطن، وحقا أن المحنة تعيد خلق الوطن بالطريقة الصحيحة في كثير من الأحيان.
يستنزفك الحلم عندما يمد إليك يدا بيضاء من اجل أن تبعث بتحياتك عبر النجمة مثلما تقول آنا اخماتوفا
«لا فرق في أن أتحمل معك
فراقا أبدياً وأسود،
فيم بكاؤك؟ أعطني يدك
وعدني أنك ستزورني في الحلم ثانية
معا نحن كالشقاء مع الشقاء
لا لقاء لي معك على الأرض
يكفي أن تبعث لي بتحيتك
عبر النجمة كلما انتصف الليل»