المنبرالحر

من التغيير الى الكفائي / زين الشاهر

أسابيع قبل موعد الانتخابات العراقية، لانتخاب أعضاء مجلس النواب الجدد، بعد انتهاء الدورة الحالية، وبدء المرشحين والكتل السياسية بالحملة الانتخابية، وفي نفس الوقت كان لفتوى المرجعية العليا بالنجف الاشرف والمتمثلة بسماحة اية الله العظمى السيد علي السستاني صدى واسع في اوساط الشعب العراقي، على الرغم من محاولات التعتيم الاعلامي على هذه الفتوى، الفتوى المتعلقة بالانتخابات والتي تدعوا الى التغيير، مقارنةً بفتوى الجهاد الكفائي في هذه الايام..
حيث كان ممثل المرجعية العليا الشيخ مهدي الكربلائي، في كل صلاة جمعة تقام في الصحن الحسيني الشريف، يكرر رأي السيد السستاني بخصوص الانتخابات، ويقرأ على مسامع الجالسين امام المنبر والمشاهدين للقنوات الفضائية التي تنقل الصلاة بالصورة المباشرة، والتي يدعو فيها المواطنين للتغيير. والمقصود بالتغيير هو اختيار يختلف عن السابق، أي تغيير كل النواب والوزراء السابقين الموجودين بالحكومة السابقة، الذين انتخبناهم على اساس طائفي وحزبي، وكانت النتيجة الفشل الواضح وسرقة اموال وثروات البلاد، ومئات من الشهداء يسقطون بانفجارات السيارات المفخخة و المسدسات الكاتمه للصوت. وهنا ارادت المرجعية عدم انتخابهم لأنهم جميعهم فشلوا في تحقيق أبسط حقوق الشعب. النواب والوزراء جميعهم اوصلوا الوطن والمواطن الى هذه الحالة المزرية، من انعدام الامن وقله بالخدمات الاساسية. ولو كان بين النواب والوزراء السابقين نواباَ ناجحين، لكان بيان المرجعية هو اختيار الافضل او الاحسن لأن المرجعية لا تبخس حقوق الناس. لهذا كانت الدعوة لتغيير جميع السارقين والمخادعين والقتلة. وبعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية اتضح ان اغلبية الناس لم يلتزموا برأي المرجعية ودعوتها للتغيير ، وأعادوا انتخاب الوجوه القديمة مرة اخرى، لوجوه التي بسببها ازداد التدهور الامني.
اما فتوى الجهاد الكفائي التي دعا اليها المرجع السيد علي السستاني المواطنين بالتطوع في صفوف الجيش العراقي، من اجل صد الهجمات الارهابية التكفيرية وتحرير المحافظات من الجماعات الاجرامية (داعش) التي عاثت بالأرض فساد، تشاهد الآن مدى تفاعل القنوات والقوى السياسية معها. القوى السياسية والمنابر الاعلامية التي كانت تعتم على بيان المرجعية ودعوتها بالتغيير، هي نفسها الآن تروج للكفائي صباحا ومساءا. لماذا لم يلتزم المواطنون بفتوى المرجعية بالتغيير؟ هذا هو السؤال الذي لا اعرف إجابته. لماذا يلجأ الشعب لحل مشاكله بالطرق بالطرق العسكرية ؟ وهو بإمكانه حلها بالطرق السلمية عن طريق صناديق الانتخابات، على الرغم من ان التغيير بالانتخابات هو اكثر اهمية من الجهاد الكفائي ، لأن الانتخابات يتحدد فيها مصير بلاد لمدة اربع سنوات قادمة ، فأذا شكلت حكومة ناجحة في هذه السنوات الاربعة، تعمل على وضع اساس لدولة قوية بقوانينها وبنيتها التحتية، فبالتالي نضمن مستقبل زاهر بالاعمار والأمن والوحدة بين افراد الشعب في السنوات القادمة.
فالطرق العسكرية اصبحت لاتجدي نفعاً، وثبت فشلها من زمن سقوط نظام صدام المقبور الى يومنا هذا. مليارات الدنانير تم صرفها على ميزانيات القوى الامنية من الجيش والشرطة، ولا زال القتل والانفجارات مستمرة في العاصمة الحبيبة بغداد والمحافظات الساخنة الاخرى. ولم يتوفر الامن والاستقرار في الجنوب والفرات الاوسط من خلال العمليات العسكرية والسيطرات الامنية. صحيح ان القوات الامنية كانت عامل مساعد لتوفير الامن في هذه المحافظات، لكن طبيعة المجتمع وتماسك أبنائه بكافة طوائفهم هو السبب في هذا الاستقرار، بالاضافة الى عدم وجود الحواضن في هذه المحافظات. هذا لا يعني ان في المحافظات والمناطق الغير مستقرة، المواطنين فيها متواطئون مع الجماعات الارهابية، حيث ان المواطنين في تلك المناطق مغلوب على امرهم، هم لا حول لهم ولا قوة امام قوة اجرام الجماعات الارهابية التي اوغلت في سفك الدماء، وانتهاك الاعراض وتدمير البنى التحتية للدولة. فالذي يرحب بدخول الدواعش ومن لفّ لفّهم هم من ازلام النظام البائد، حيث يوفرون لهذه الجماعات السكن والدعم والتدريب. المواطن البسيط في تلك المحافظات، عندما يرى ضعف الحكومة وعدم قدرة القوى الامنية على مسك الارض وضرب الارهاب بيد من حديد، فمن الطبيعي لايستطيع هو مواجهة هذه الجماعات الارهابية، ويرفضها حتى وان كان بالكلام، من اجل المحافظة على حياته، لأن داعش والقاعدة وبقايا حيوانات النظام المقبور، تقتل أي شخص مهما كان دينه او مذهبه.
الحل الآن هو يجب الاسراع في تشكيل حكومة وطنية، بعيدة عن المحاصصة والإقصاء، حكومة تحترم جميع الاراء وتجمع كافة الكتل والطوائف، ودعوة كافة المعارضين في الداخل والخارج، الذين يودون الرجوع للوطن والمشاركة في العملية السياسية والبناء، ما عدا الذين تلطخت ايديهم بدماء العراقيين الابرياء. فالجماعات الارهابية تستغل الخلافات السياسية من اجل اثارة النعرات الطائفية والفتن بين ابناء الوطن الواحد. فالمشكلة بالعراق هي صراع سياسي اكثر من ما هو صراع طائفي عقائدي.