المنبرالحر

دواعش الأسواق العراقية ..! / علي فهد ياسين

في الوقت الذي يواجه فيه العراق أكبر الأخطار التي تحيق بكيان الدولة ومصير الشعب، يعود (تجار الازمات) الى مناهجهم التقليدية منها والمبتكرة للالتفاف على القوانين وترويض جهات الرقابة الحكومية، وصولاً لأهدافهم في حصاد غنائم اضافية من خلال رفع الأسعار واستيراد السلع الرديئة، ناهيك عن المواد الغذائية والأدوية منتهية الصلاحية بعد تزوير تواريخ صلاحيتها للاستخدام البشري باساليب متطورة، كانت تعتمد للتنفيذ خارج العراق قبل أن يتم استخدامها في الداخل على نطاق واسع.
المعلوم أن الدول التي تواجه ظروفاً استثنائية ومنها الحروب تحديداً، تعتمد برامجاً مدروسة بعناية لمراقبة الجهات التي تخل بالامن الداخلي، لما لذلك من تأثير كبير على نتائج الصراعات المسلحة، ولا تكتفي بقوانين التنظيم والمراقبة المعتمدة في الظروف الطبيعية، بل تصدر تعليمات وقوانين طوارئ ساندة للجهد العسكري والامني وترفع من وتائر ونوعية المراقبة والتنفيذ كي تصل الى الفعالية المرجوة منها. ويبدو أن الاستثناء في ذلك هو العراق الذي يتعرض لكل هذا التهديد النوعي والكمي المتصاعد لحياة المواطنين، فيما لازالت الجهات التنفيذية تعتمد لغة التحذير والتهديد دون فعالية تذكر، أمام الاستهتار العلني لبعض التجار المسيطرين على السوق العراقي المفتوح لكل من هب ودب منذ سقوط الدكتاتورية.
لقد اعتاد المواطن على تحمل نتائج تلاعب البعض بأسعار المواد الضرورية بين الحين والآخر، نتيجة لضعف الاجراءات الحكومية في ردع المتلاعبين في مستويات الاسعار أو في رداءة النوعية أو فساد البضاعة أصلاً، لأن الأمر متعلق بفساد الجهاز الاداري والرقابي المتصدي لهذه الانشطة من جهة ونوعية التجار الجدد (تجار الحكومة) من جهة أخرى، هؤلاء الذين ظهروا الى الواجهة بين ليلة وضحاها، مسنودين من أشخاص نافذين في أحزاب السلطة بمثلثها الطائفي والقومي الذي زاوج السياسة بالتجارة ليضع القوانين الملائمة لحاجاته وليس حاجات الشعب،وليختار لتنفيذها توقيتات ومواقع تخدم المخططات المفيدة للجهات التي تصدرها.
المفارقة التي تكاد أن تتحول الى قانون في العراق هي أن هؤلاء المتلاعبين بالاسعار (في وسط وجنوب العراق) جميعهم ممن يدعون التقوى والفضيلة وليس فيهم قط من اكتفى بالحج لمرة واحدة، وممن يتبرعون الى المواكب الحسينية ومن الحريصين على الاستماع الى خطب الجمعة وهم يتصدرون صفوف المصلين زيادة في الأجر والثواب. لكن كل ذلك يضعونه جانباً حين يتعلق الأمر بمنافعهم التي هي في الغالب خارج حدود المعقول. يضعون ضمائرهم ومعتقداتهم في ثلاجة يبدو أن تيارها الكهربائي كان قطع في أول اختبار بين الحق والباطل، فتسرب الفساد الى محتواها وفاحت رائحته التي لايتقبلها البشر الاسوياء.
اذا كان هؤلاء قادرين على تخدير ضمائرهم كي يقوموا بكل هذه الافعال التي لاتمت للانسانية بصلة، كيف لهم أن يتجاوزوا على القانون علناً إن لم يكونوا أصلاً ضامنين بانه لا يطالهم من خلال جهة لها القدرة على تعطيله لحمايتهم؟ وسيكون الأمر أكثر ضماناً حين تكون هذه الجهات التي تحمي المتلاعبين بالاسعار والنوعية هي الشريك التجاري معلناً كان أو من وراء الستار، وفي الاحوال الاخرى تكتفي جهات الحماية بعمولاتها لتكون بعيدة عن الاضواء والتداعيات.
أن مايقوم به (تجار الازمات) في العراق الآن هو امتداد لتصرفاتهم طوال العشرة اعوام المنصرمة، خاصة وان الجهات السياسية كانت ولازالت مشغولة بتقاطعاتها على المصالح الذاتية والحزبية، مما ساهم في عدم اصدار القوانين التي تنظم التجارة وتفرعاتها كما هو الحال في كل الانشطة الحكومية والشعبية التي لازالت تفتقر الى قوانين جديدة تتوائم مع طبيعة المرحلة التي اعقبت سقوط الدكتاتورية، لا بل ان قوانين الدكتاتورية لازالت سائدة الى الآن طالما هي ملائمة لمصالح السياسيين والجهات الخارجية التي يرتبطون ببرامجها.
هؤلاء الذين يحاربون الفقراء في لقمة عيشهم ودواء مرضاهم، لا يختلفون عن مجرمي داعش ومن يساندهم، لا بل انهم يقدمون خدماتهم الى داعش من خلال ازدياد حالات التذمر والفوضى التي تتصاعد بين صفوف المواطنين نتيجة لعدم اتخاذ الجهات الحكومية الاجراءات القانونية بحقهم. وهم، مع الجهات التي تسندهم وتعينهم على خرق القوانين، يستحقون ان نسميهم (دواعش الاسواق العراقية) لانهم الفصيل غير الوطني واللا انساني فيها.