المنبرالحر

المواطنة ضمان التماسك الاجتماعي للمجتمع / نعمة عبد اللطيف

إن التحولات الكثيرة التي يشهدها مجتمعنا بشكل خاص، لها الأثر الكبير في دفعنا بأتجاه تثبيت دعائم مجتمع الحداثة، والديمقراطية، وحقوق الانسان والمواطنة.
ويكون للتربية والتعليم دورهما الفاعل بما يملكانه من المناهج الدراسية، والكتب المدرسية، ومن الفعاليات والنشاطات الصفية واللاصفية، وما يخلقانه من مناخات تربوية ديمقراطية، تثبت الأسس السليمة للتعاون بين المعلمين والإدارة المدرسية من ناحية وبين الطلبة من ناحية أخرى، وبين الطلبة انفسهم، وتنشر بينهم المحبة والوفاق واحترام الرأي الآخر، وتقودهم إلى التعاون والعمل المشترك، وتطور ثقافة المواطن، لدى مختلف مكونات المجتمع التي يمكن ان تحدد مواصفات مواطن الغد الذي نريده.
*إن عملية ادخال قيم المواطنة، في البرامج والكتب المدرسية، تندرج تحت عملية اصلاح المنظومة التربوية الشاملة، والجذرية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فأعمال قيم المواطنة لا تتعلق بالكتب المدرسية والمناهج التعليمية فقط، بل تتعداها لتخترق المنظومة الثقافية للمجتمع بأسرها وتجعل عملية الاصلاح تأخذ شكل اطار يمكن أن يسمى ثورة ثقافية هادئة وطويلة ومسؤولة، تواكب وتؤسس معالم عراق ديمقراطي حديث، والمفروض أن تكون هذه النتيجة نابعة من التوجه التربوي الاستراتيجي.
*إن التماسك الاجتماعي، الذي يشكل صمام الأمان للمجتمع العراقي، والداعم للوحدة والاستقرار في مجتمعنا، والضامن لتوازن شخصية المواطن، يتجلى باندماج وتوحيد قيم حقوق الانسان والديمقراطية والمواطنة في المنظومة التربوية.

مفهوم المواطنة:-

تعد المواطنة هدفاً تربوياً سامياً.
على التعليم في جميع مستوياته غرسه وتنميته في نفوس التلاميذ، وتطويره تدريجياً حسب المراحل العمرية للتلاميذ وتحويله إلى قيم حياتية عليا.
وكلما قويت قيم المواطنة لدى التلاميذ واصبحت مصدراً للسلوك اليومي، دلل ذلك على شعور رفيع بالمسؤولية الوطنية.
*والمواطنة تنمو وتمارس في المجتمع العراقي، ويشعر المواطن بمساواته في الحقوق والواجبات مع بقية افراد المجتمع، وتعلم المواطنة في افق الممارسة.
إن التربية على المواطنة لا يمكن اختزالها في مدلول التربية الوطنية، كما إن المواطنة ليست مرهونة بمرحلة الرشد، بل لكل مرحلة، ابتداءً من السنوات الدراسية الأولى، اشكال وتعابير وصيغ لتلك الممارسة، عندما يتم تحسس الأطفال بها.
ولذلك فأن تأثير التربية على المواطنة من ناحية ما يمكن تنميته من سلوك مواطنة يومية متكيفة مع مرحل الطفل العمرية، ومن شأنه ان يحدث بتضافر الزمن وتضافر قنوات تعليمية وتربوية واسرية واجتماعية تراكماً من السلوكيات، تغرس قيم المواطنة، في فكر الطلبة ووجدانهم وبلورنها وتفعيلها لتصبح من الاساليب السلوكية الدائمة.
*والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو:- كيف تستطيع الاستراتيجية التربوية الوطنية خلق نموذج المواطنة الصالح في مدارسنا، المتميز بالروح الوطنية، والمنفتح على الحضارات الانسانية، ان يوفر اجواء التواد والتآلف، وعلاقات الود والصداقة بين الطلبة في مدارسهم، التي تشيع فيها اجواء التطاحن والعدوانية، وساحاتها لاتخلو دقيقة واحدة من مظاهر العنف والعراك والشجار في فترات مابين الدروس، وقد نسوا تماماً مظاهر الاحتشام والاخوة والزمالة التي تجمعهم، والانظمة المدرسية التي يخضعون لها.
*ان هذا الأمر من الاهمية بمكان، ويحتاج تضافر جهود كل من له صلة بالتعليم لتحقيق هذا الهدف السامي، مبدأ المواطنة، الذي يجعل التربية تشمل البعد الوطني، وبالوقت نفسه تعانق البعد العالمي الانساني.
ويمكن ان تحدد تلك المواصفات بما يلي:-
1- يشارك المواطن بصورة فاعلة في الحياة السياسية ويعالج المشكلات ضمن منظور عالمي.
2- يتقبل الرأي الآخر، والخلافات الثقافية، ويحل النزاعات بالطرق السلمية نتيجة تعوده التعاون وتحمل المسؤولية.
3- مبدأه الاساس حب الوطن والمواطنين والدفاع عن كرامة الشعب والوطن.
*مما تقدم يتضح ان هدف المواطنة خدمة المجتمع بكامله لأن استناد التربية على المواطنة وحقوق الانسان يؤكد البعد الانساني لهذه التربية.
كيف ينمو مبدأ المواطنة من خلال النظام التربوي؟

تساعد التربية بما تولد من اساليب سلوكية حميدة في نفوس الدارسين، على ردود افعال انسانية سليمة من قبلهم تجعل الجو المدرسي مشتلاً او مكاناً ملائماً لبذر بذور ثقافية حقيقية للمواطنة وتنميتها وتطويرها، وبذلك سيتشكل الصرح التربوي المنشود، وما علينا إلا دعم وتقوية هذا المكسب الذي يساعدنا على قياس أثر التربية على المواطنة، بل يساعدنا على تطوير الذكاء في مجال القيم لدى المتعلمين.
وهذا الأمر ليس هيناً بل يحتاج إلى شرطين رئيسيين:-
اولهما:- تطوير استراتيجية خاصة بالتربية على المواطنة، وهذه تجد مبرراتها في صعوبة تصريف المفاهيم إلى سلوكيات "المهارات والموقف"، وهذه الاستراتيجية ليس عليها ان تتضمن المناهج الدراسية والكتب المدرسية فحسب، بل عليها ان تعانق وتتنفس الفضاء المدرسي، وهذا هو السبيل الضامن لفاعلية ثقافة حقيقية للمواطنة.
ثانياً:- تطوير استراتيجية استشرافية للمواطنة من شأنها السماح بدراسة وتحليل ما تعززه القيم الجديدة قبل ادماجها في المنظومة.
هذان الشرطان يضمنان عدم التراجع عن المكاسب في مجالات التربية على حقوق الانسان والمواطنة الديمقراطية.
كما انهما يساعدان على تقوية مناعة النضال التربوي ضد كل اشكال الانحرافات.
*تبقى مسألة المواطنة، اكبر من مجرد برنامج خاص، او هدف تربوي عادي.. انها قضية الجميع.. إنها قضية كل القوى.. انها مسألة عمل دؤوب بين جميع الشركاء، يتطلب توفير الايمان الراسخ، والنفس الطويل لبناء المشروع السامي، كخطاب اولاً وكترجمة لهذا الخطاب إلى ممارسات سلوكية.
الطرق المؤدية إلى بلوغ المواطنة:-

ان بلوغ المواطنة المنشودة، يتطلب اكساب المتعلم كفايات تستدعبها خصوصية المرحلة، مثل استمرارية تواصله بعلاقات طيبة مع زملائه، مع استمرار اكتسابه للمعارف والمعلومات.
وهذه كلها تشكل مجتمعه سنداً له نسيج من المعلومات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
*اما المدرسة فيفضل ان تتحول فصولها وجميع مرافقها، من ساحات ومختبرات إلى مشاتل ومختبرات للحياة الديمقراطية، حيث يتعلم التلميذ مزايا التعددية، وسبل حل الخلافات، والفكر التنويري العقلاني، ويدرك حقوقه وواجباته تجاه المجتمع وتجاه الدول، ويساهم في ارساء مجتمع الجدارة والحداثة التي تنصهر فيه المواطنة الاصلية الصادقة بالمواطنة العصرية الايجابية