المنبرالحر

حكومة.. على طاولات قمار / عبد المنعم الاعسم

تجاذبات تشكيل الحكومة تجر البلاد الى حقل الغام، والمشكلة، كما تفيد التصريحات الاعلامية، تتعلق بمعايير اختيار رئيسها من صفوف «الكتلة النيابية الاكبر» بين الاستحقاق الدستوري وبين القبول من اطراف العملية السياسية، ويشاء رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي ان يتمسك بمعيار نتائج الانتخابات التي اعطته الصدارة بين المتنافسين، في حين يصر شركاؤه في الكتلة على اعتماد «المقبولية الوطنية» شرطا لهذا الاختيار، فيما اختـُزلت قضايا البلاد الملتهبة في نقطة التقاطع هذه الى عنوان واحد هو منصب رئيس الوزراء.
لا ينبغي ان نقع في التبسيط والاستسلام الى مشهد التجاذب بين الطرفين، فان القضية اكبر من تسمية الشخص المناسب الى هذا المنصب، و اعمق من خلاف على معايير اختيار رئيس الوزراء..انها موصولة بمجموعة العقائد والسياسات والمنطلقات والعلل التي بنيت فوقها دولة ما بعد الدكتاتورية.
وعلى سبيل الافتراض، كان يمكن القبول بادخال الملف في مساحة زمنية واسعة لإشباع الجدل والمناقشات بمزيد من الحجج والتدقيقات لو ان الوضع الامني معافى، وقيد الانضباط، لكن البلاد تعاني منذ حوالي شهر من اختراق خطير للامن الوطني بسقوط ثاني اكبر المحافظات وبلدات ومناطق كثيرة على يد الجماعات المسلحة الارهابية، بل و اصبح مستقبل العراق كبلد على الخارطة بمثابة فرضية قابلة للنقاش، ما يضع الطبقة السياسية النافذة التي تدير هذا الملف امام امتحان اللياقة والمسؤولية، والغيرة الوطنية، فهي بدلا من تحشيد الجهد لكسر شوكة الارهاب وتعبئة الشعب واستعادة ثقته لدعم اجراءات الردع الوطني والبناء فانها تهرب الى لعبة السلطة والمصالح الفئوية. ولو امعنا النظر في قراءة مطالعات اطراف التجاذب، والتسريبات من الكواليس لوجدنا انها تستطرد في تفاصيل الامتيازات والحقوق والمقامات، ما ينطوي على تجاهل الاخطار المحدقة بالبلاد، وعلى اهانة للدماء البريئة التي سفحت وتسفح يوميا في الشوارع و الاسواق و تحت الانقاض، ولعل اغرب الحجج للتمسك بالمنصب من قبل كابينة رئيس الوزراء القول انه ضمانة لتماسك المؤسسات الامنية والعسكرية وحماية منجزاتها، خلاف ما هو معروف عن فشل هذه المؤسسات وهزائم جنرالاتها، مقابل حجج (في الجانب الآخر) تلوذ بذرائع الفشل في ادارة شؤون الدولة فيما يتقاسم اصحابها ادارة مرافق الدولة فلم يكن اداؤهم بافضل من غيرهم من الفاشلين.
من زاوية، يبدو للمراقب ان كواليس النقاش حول تشكيل الحكومة الجديدة اشبه بطاولات قمار، فالجميع يراهنون على اوراقهم، وسلامتها، وقوتها، لكن لا احد يقول ماذا سيكون موقفه لو ان تلك الاوراق خسرت.
فرسان الصين القدماء كانوا يراهنون على قوة ايديهم، وعندما يخسرون ملاواة بعضهم يقدمون على قطعها، ويقال بهذا الصدد ان امبراطور الصين القديمة «ياو» هو الذي ابتكر اوراق القمار منذ الفين وخمسمائة سنة، قبل ان تنتشر هذه الالعاب في ميدان السياسة فنفاجأ بمن يقامر بسمعته.. ووطنه.
*******
« إننا ننحر أنفسنا عندما نُضَيّق خياراتنا في الحياة».
نلسون مانديلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر اسبوعيا بالتزامن مع جريدة (الاتحاد)