المنبرالحر

خسارة البرازيل....كارثة وطنية/ حسين الزورائي

مازالت الاوساط الكروية العالمية و البرازيلية على وجه الخصوص تعيش الصدمة و الدهشة نتيجة خسارة البرازيل امام المانيا في المباراة نصف النهائية لنهائيات كاس العالم 2014 التي تجري وقائعها في البرازيل حاليا، بنتيجة غير متوقعة (7 المانيا- 1 البرازيل)، و تقترب من اللامعقول نظرا للمستوى العام المرموق و الشهرة العالمية الواسعة التي تتمتع بها البرازيل بكرة القدم. اضافة لشغف من نوع اخر يهيمن على البرازيلين بحبهم للكرة قد يصعب علينا تخيله، ونختصر معناه هنا بهذه القصة الطريفة: عندما فاز الفريق النسوي البرازيلي بالكرة الطائرة بالوسام الذهبي في اولمبياد لندن 2012، صرح مدرب الفريق بأنه سعيد جدا بهذه النتيجة التي عززت فوز فريق الرجال للطائرة بالوسام الفضي، و فرق الرجال و النساء للطائرة الشاطئية بالوسامين الفضي و البرونزي على التوالي، لان الكرة الطائرة تعد الرياضة الاولى في البرازيل، مستدركا ان كرة القدم خارج حسابات و ارقام الرياضة، انها ترتقي الى مرتبة (معتقد) او (دين) لدى البرازيليين، و هذا يمكننا في فهم الصدمة العنيفة التي خلفتها نتيجة هذه المباراة في البرازيل. ان الخسارة تعني خللا في معتقدهم و دينهم!! و شرخا بالشرف الوطني لكل البلاد (هكذا يعتقدون).
وصف سريع للكارثة
تقدم الالمان بهدف مبكر في الدقيقة 11 من المباراة نتيجة خطأ دفاعي قاتل، أذ ترك المهاجم الالماني مولر، لوحده بدون مراقبة خلف المدافعين، و هذا الخطا والهدف صعق لاعبي الفريق البرازيلي، و تراءت لهم الخسارة ماثلة امام اعينهم ان لم يعوضوا بسرعة، خاصة و ان مبارايات اخرى في هذه البطولة حسمت بهدف مبكر ليحافظ الفريق المتقدم على هدفه باللعب الدفاعي. لذا كانت الـ 10 دقائق التالية حاسمة، انتفض خلالها منتخب البرازيل باللعب بعصبية، و اندفاع و سرعة في محاولة لتعديل النتيجة، ترك فيها المدافعون مواقعهم ليتقدموا للامام في محاولة للتسجيل تعويضا منهم عن خطأهم ناسين ان الذي امامهم هو الماكنة الالمانية و ليس اي فريق اخر. كان الوضع بعد الهدف الاول، اما ان تسجل البرازيل و تعود للمباراة، و اما ان تستغل المانيا الاندفاع البرازيلي و تسجل هدفها الثاني لينهار البرازيليون بالكامل، و تمكن الالمان بهدوء اعصابهم ان يسجلوا الهدف الثاني في الدقيقة 23 عن طريق الهداف المخضرم كلوزة، لتسجل هذه اللحظة الانهيار المطلق للفريق البرازيلي. و لتأتي الاهداف الاخرى تباعا في الدقائق 24 و 26 و 29 من الشوط الاول، ليدرك الالمان ان ما يفعلوه هو كارثة حقيقية بفريق البلد المضيف وعليهم التوقف عن التسجيل و تحويل مشاعر اللعب من مباراة الى وحدة تدريبية، لينتهي الشوط الاول بخمسة اهداف نظيفة للالمان. و مهم لكل دارسي علم النفس الحديث، والمهتمين بشؤون الكرة ان نعرف ماذا دار من حديث بين الشوطين في الجانب البرازيلي والجانب الالماني، و سوف لن يمر وقت طويل على معرفة تفاصيل حديث المدربين و اللاعبين في فترة الاستراحة. بدأ الشوط الثاني، وكانت البرازيل مصرة على التسجيل، و اخطرت مرمى الالمان اكثر من مرة، و لكن بدون انهاء متقن، وانتفض الالمان ليعاقبوا البرازيلين بهدفين أضافيين، تاركين لهم الدقيقة الاخيرة لتسجيل هدفهم الشرفي الوحيد، لتنتهي المباراة 7-1 لصالح المانيا، و تحل بالبرازيل كارثة وطنية.
ما وراء الكارثة
ان الضغط الاعلامي المكثف ومنذ اعلان فوز البرازيل في 30 تشرين الاول 2007بتنظيم هذه النهائيات (رقم 20) و على مدى هذه السنوات السبعة، ولد رأي عام رسمي و شعبي برازيلي ضاغط، مفاده ان البرازيل لا محالة ستفوز بهذه البطولة على ارضها و بين جماهيرها. هذا الضغط طبع فكرة الفوز باللقب كحقيقة غير قابلة للنقاش ولا للاحتمالات التي تعد عصب الحياة لكرة القدم، غير مدركين انهم نسفوا متعة كرة القدم عندما تخلوا عن احتمال خسارة اللقب. ان انهار الدموع التي سالت من اللاعبين و الجمهور خلال هذه السنوات السبع جعل المدرب البرازيلي يطلب علاجا نفسيا للمنتخب قبيل مباراتهم الاخيرة مع كولومبيا، البكاء كان واضحا في كل المواقف، عند التسجيل، عند الخروج و الدخول من و الى الملعب، عند عزف النشيد الوطني، عند انتهاء او بداية كل مباراة، عند التسجيل، لقد كان الضغط النفسي كبيرا جدا صاحبه الخبرة القليلة عند اغلب لاعبي الفريق. اما فقدان اهم لاعبيه (نيمار و الكابتن سيلفا) في مباراتهم مع المانيا فكان عاملا ضاغطا اخر للانهيار في تلك المباراة.
كان على البرازيليين ان يسوقوا فكرة اخرى افضل من الفوز، مثلا فكرة انها ستكون افضل بطولة، او فكرة ان البرازيل افضل امة في كرة القدم، و كل العالم سيتفق معهم و يقر لهم بذلك عرفانا بالجميل على المتعة والفن و الجمال الكامن في الكرة البرازيلية، و الذي نثروه عبر قرن من الزمان على كل ارجاء المعمورة، مقارنة بما فعلته امم اخرى من حروب واستعمار و دمار طال ابعد مكان في هذا الكوكب. لا يجب ان ترتبط مفاهيم مثل كرامة و شرف امة ما و افضليتها على غيرها من الامم و الشعوب بنتيجة مباراة رياضية او فنية...هذا خطأ جسيم يتحمله الاعلام الرياضي الغير منضبط و البعيد عن ابسط مفاهيم الرياضة والحركة الاولمبية، و لقد تم توارثه من اعلام الحرب الباردة و عهود الاستقطاب و الاستبداد، عندما وصل الامر اوجه في المقاطعة المتبادلة بين دول قطب المعسكر الاشتراكي و دول قطب المعسكر الرأسمالي لكل الدورات الاولمبية و البطولات العالمية التي كانت تنظم انذاك. و لقد التفت الاوربيون الى هذه الحالة و بدؤا بمسيرة اصلاحية طويلة لمعالجتها، لتعود في كثير من بلدان اوروبا الروح الرياضية الحقيقية، معتبرة الرياضة متعة وصحة و وسيلة للابداع و التقدم والتقارب بين المجتمعات و الشعوب، فباتت الامم المتقدمة تفخر بتنظيمها للبطولات، و تتقبل شعوبها الفوز و الخسارة بروح رياضية عالية. ففلسفة الشعور الجماعي لمجتمع ما، بالفرح للفوز و الاسى للخسارة و الفخر للتنظيم الجيد لحدث عالمي ما، ككاس العالم، يجعل المجتمع متجانسا متناغما متفقا منسجما موحدا، و هذا هو الاهم، و ما احوجنا هنا في العراق لهذا النمط من الشعور المتجانس المشترك بين افراد المجتمع في الفرح و الحزن معا. انه بلا شك يعضد التجانس و الانسجام الاجتماعي عند محبي الرياضة و هم عادة بعمر الشباب، فالرياضة والفنون اذن استثمار لاستقرار مستقبلي للمجمعات،و نحن في العراق بحاجة الى هذا النوع من الاستثمار الحقيقي، لا الترقيع الذي تمارسه وزارات الثقافة، و الرياضة و الشباب، و اللجنة الاولمبية، و الاتحادات الرياضية، في جل نشاطاتها و فعالياتها....
امثلة متعاكسة...
رغم ان حرب الفوكلاند بين بريطانيا و الارجنتين وضعت اوزارها بأستسلام الارجنتين للتعنت البريطاني المدعوم من امريكا في بدايات نيسان 1982، الا ان اثرها كان ما زال عالقا في نفوس الارجنتينيين عند نهائيات كأس العالم في المكسيك 1986، و شاءت الاقدار امنتخبي انكلترا والارجنتين ان يلتقيا لتفوز الارجنتين بمباراة تاريخية (2-1)، وصف الاعلام ذلك الفوز في حينها، بأنه ردا و ثأرا على حرب الفوكلاند، وحتى الان يعتبر الكثيرون ان تلك المبارات وصمة عار في جبين الكرة الانكليزية، و مبعث فخر قومي للارجنتينيين، بيد انها فنيا واحدة من المباريات الخالدة، اذ سجل فيها مارادونا هدفين واحد عده النقاد من اسوء الاهداف في التاريخ اذ سجله بيده بغفلة عن حكم المباراة و الثاني واحد من اجمل الاهداف في التاريخ اذ تمكن مارادونا من اجتياز نصف الفريق الانكليزي بضمنهم حارس المرمى لينفرد في الشباك، لينسى الجميع هدف الانكليز. نسيت حرب الفوكلاند، و بقت هذه المباراة خالدة بأحداثها و جمالياتها، محل حديث جميع المهتمين بالكرة.
مثال معاكس، اذ تنشد هولندا و تحديدا منذ عام 1974 الفوز باللقب العالمي، و كانت قاب قوسين او ادنى من تحقيق الحلم عندما وصلت للمباراة النهائية 3 مرات، لكنها لم تتمكن من ذلك. فهل تخل هذه النتائج بشرفها الوطني؟ ام ان الرسالة الاسمى قد وصلت، وهي المتعة والاثارة بتقديم مدرسة كروية جديدة للعالم، و تمكنت الكرة الهولندية ان تعكس صورة ناصعة عن هولندا كمجتمع متجانس منسجم، و كدولة محترمة.
و للتاريخ أثره ايضا...
طوال 64 عاما و الاعلام البرازيلي ما انفك يؤجج الماساة و الحزن لدى البرازيلين، بمناسبة و بدون مناسبة عندما يستعيد دائما ذكريات خسارة البرازيل في نهائيات كاس العالم التي نظموها لاول مرة عام 1950 و خسروا النهائي امام الاوروغواي (2-1)، و الان في 2014 خسروها ايضا بهذه الفضيحة المدوية، لذا، فمن غير المتوقع ان تتجرأ البرازيل للتفكير بأستضافة نهائيات كأس العالم على مدى 70 او 80 عاما من الان. لقد فازوا بكأس العالم 5 مرات خارج ارضهم، وظلت امنيتهم الفوز بها بين جماهيرهم وعلى الماراكانا – ملعبهم الوطني الشهير، و يبدو ان "ما كل ما يتمناه المرء يدركه" ! ليفقدوا هذه الفرصة مرتين واحدة في 1950 و الاخرى في 2014، و لن تفعل نتيجة المباراة المرتقبة بينهم و بين هولندا على المركز الثالث اي فرق، فسيبقى الحزن مخيما البرازيليين لوقت طويل. بل ان هاجسا جديدا بدأ يولد ضغطا من نوع اخر على البرازيليين.
اولمبياد ريو 2016
المعروف ان البرازيل ستنظم دورة الالعاب الاولمبية الـ 31 في صيف عام 2016 في ريودي جانيرو. (تمتعوا بقراءة هذا التقرير http://www.rio2016.com/en/the-games/olympic/event) و هذه هي المرة الاولى التي تنظم فيها الالعاب الاولمبية في مدينة من امريكا اللاتينية. و منذ بدء مشاركات البرازيل في الالعاب الاولمبية لم يتمكن فريقها الاولمبي لكرة القدم من احراز الميدالية الذهبية، ولكثرة تداول هذا الامر في وسائل الاعلام، استعصى هذا اللقب على البرازيليين، وكانوا قريبين جدا لهذا اللقب في الاولمبياد السابق في لندن 2012، لكن منتخب المكسيك توج بالميدالية الذهبية ليصبح بطلا أولمبيا للمرة الأولى في تاريخ الألعاب الأولمبية بعد فوزه في النهائي على البرازيل بهدفين مقابل هدف واحد، وتلك الهزيمة حرمت السلساو البرازيلية من اللقب الوحيد الذي ينقص سجلها الثري بكرة القدم لتكتفي بالميدالية الفضية، و لتكون ثالث خسارة لهم في مباراة نهائية في الالعاب الاولمبية. أذا فهم امام كابوس الفوز باللقب الاولمبي على ارضهم في 2016، و الاعلام البرازيلي يركز على ان الفوز بذهبية كرة القدم ستغنيهم عن كل الميداليات الاخرى!! كابوس من نوع اخر يعتاش عليه الاعلام، فهل يصحى المهتمون بشؤون الكرة البرازيلية، ليطلقوا برنامجا وطنيا لازالة هذه الضغوط المتراكمة عن كاهل جماهيرهم و لاعبيهم؟! نتمنى ذلك حتى لانفقد المتعة مع الكرة البرازيلية.
لقطات اخرى
هذه المباراة انست كل المتابعين فاجعة اخرى من النوع الثقيل حدت في هذه البطولة، و هي خسارة حامل اللقب اسبانيا بـ، 5 اهداف مقابل هدف واحد في الدور الاول من البطولة امام هولندا، و خروج اسبانيا و انكلترا و ايطاليا من الدور الاول ربما اقسى مما تلقته البرازيل التي ستلعب اليوم على المركز الثالث ضد هولندا.
و في هذه المباراة ايضا سجل اللاعب الالماني كلوزة هدفه الـ 16 في النهائيات ليصبح صاحب الرقم التاريخي كأفضل هداف على مدار المونديال وتجاوز أسطورة الظاهرة رونالدو البرازيلي 15 هدفا. يعني الخسران من هذه المباراة طال حتى تاريخ سجل افذاذ الكرة البرازيلية.
12 تموز 2014