المنبرالحر

احجز حاجزك الترابي من الآن! / قيس قاسم العجرش

عادت حُمّى الحواجز الكونكريتية والترابية تظهر على صفحة «مفكري» الحرب في العراق واجراءآتهم العبقرية.
الحاجز، ترابياً كان أم كونكريتياً يعني ان هناك من يقف أمامه ويفكر بضفتين، جانبين لهذا الحاجز. جانب يجري تأمينه وجانب آخر»ساقط»عسكرياً.
هذا «الصوب» يجب تأمينه وذلك»الصوب» لا علاقة لنا به.
أعرف أن الحواجز الترابية أو الكونكريتية هي أجراء أمني معهود، لكن أن تكون هي الإجراء الوحيد والأول فهذا يلقي ضوءاً على نمطية تفكير «مفكري» الحرب الذين وضع القدر بين أيديهم سلطات إدارة الأزمات.
القرون الوسطى والغابرة كانت قرون الحصون والدفاعات المستترة والقلاع التي تحمي داخلها بضعة مئات من السكان فيما تحاصرها جيوش الغزاة، هذه قرأنا عنها في القصص ورأيناها في الآثار والأفلام الوثائقية، لكن ان تلجأ مجالس المحافظات الى قرارات حفر الخنادق واقامة السواتر الترابية في اول إسهام لتثبيت الأمن فهذا يعني فعلاً ان لدينا حكومات محلية تمتد في جذور تفكيرها الى القرون الوسطى.
المفارقة أن ضفتي التحصينات الإبتكارية الجديدة هي مناطق مدنية عراقية، مزارع أو بلدات لكن مفكّري الحرب اعتبروها حدوداً فاصلة تفصل (نا) عن (الآخر)وهذه هي البيئة المثلى لنمو اسباب الحزب الأهلية والقطاعية بل واستمرارها.
لنتذكر ان الفلوجة والرمادي وغيرها كانت منذ سنوات تعيش خلف تحصينات، لا افهم هل كانت اقامتها لحماية البلدة أم لحماية الطريق أم لسبب آخر هو العزل.
وفي بغداد استمرت المعيشة منذ ثمان سنوات خلف الحواجز والمداخل المراقبة وإغلاق كل الشوارع الفرعية من اجل حصر الدخول والخروج بنقاط محددة،فما الذي جرى؟
اليوم وبعد ثماني سنوات ما زلنا ندرك ان الفواصل الكونكريتية والترابية تحولت الى حدود فصل اجتماعي وأثني تؤسس للعزل التام وتشرعن له.
صارت حدود الحواجز مفاهيم للرقعة الجغرافية الأثنية ومثابات لتمييز الطائفة والعرق، مناطق شيعية ومناطق سنيّة بكل ما يحمل هذا الوصف من قباحة وتدمير للمدنية المنشودة والمساواة التي حدث فيها الدستور.
مجالس المحافظات بقراراتها»الترابية»وبحواجزها الجديدة المبنية من»تراب وخنادق»تؤسس لهذا الفصل بين الناس الذي، أكرر، لم تثبت جدواه أبداً.
الشاميّون يقولون بلطف، اللي يجرب المجرب عقلو مخرب!...وأظن أننا نعاني من وفرة في الخراب، خراب يكفينا ويكفي الدول المجاورة.