المنبرالحر

غزة بين السلام الفلسطيني والعدوان الإسرائيلي/ خضر عواد الخزاعي

من يطالع المشهد الفلسطيني اليوم يرى بوضوح وجود تيارين مختلفين عقائديا وسياسياً في قرائتهما لحيثيات الواقع الفلسطيني وهما حركة المقاومة الإسلامية حماس والسلطة الفلسطينية ففي حين ظلت السلطة الفلسطينية وحتى قبل عقود من تحولها من منظمة التحرير الفلسطينية إلى سلطة مٌمَثلة لكل مكونات الشعب الفلسطيني لاتنفك تدعوا إلى إحلال السلام في الأراضي الفلسطينية والتوصل إلى حلول مناسبة وفقاً للقرارات الدولية الصادرة من الأمم المتحدة وأهمها القرارين 242 الصادر في عام 1967 والقرار 338 الصادر في 22 تشرين الثاني 1973وفي وقت مبكر أعلن القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 تشرين الثاني 1974 رغبة المنظمة بالسلام مع إسرائيل حين قال ( لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون مع بندقية ثائر فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يد) وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية على خلفية أتفاقيات أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 13 سبتمبر 1993 في واشنطن بحضور الرئيس الرئيس الرئيس الامريكي بيل كلنتون والرئيس عرفات ورئيس وزراء إسرائيل أسحق رابين والتي ألتزمت فيها منظمة التحرير الفلسطيني ولأول مرة بحق إسرائيل في العيش بسلام وأمن والوصول إلى حلول لجميع القضايا العالقة من خلال المفاوضات فيما تضمنت الإتفاقية او أعلان المباديء على أقامة سلطة حكم ذاتي أنتقالي فلسطيني عرفت فيما بعد ( بالسلطة الوطنية الفلسطينية ) ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث تشكل هذه الأراضي ما نسسبته 22% من أراضي فلسطين وفي العام 1996 أنتخب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رئيساً للسلطة الفلسطينية في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية وقامت منظمة التحرير الفلسطينية تبعاً لذالك بتغير العبارات الواردة في ميثاقها والتي تدعو إلى القضاء على إسرائيل حيث شطب 12 بند من أصل 30 بند تدعوا لمحاربة إسرائيل والقضاء عليها وكان قد سبق كل هذه الأحداث حدث مهم في ثمانينات القرن الماضي في 15 تشرين الثاني 1988 وهو وثيقة إعلان دولة فلسطين في الجزائر والتي مهدت الطريق لإعتراف 105 دولة بهذه الدولة .
لكن مع جهودها في إرساء السلام لايمكن لنا أن ننسى الأدوار المهمة التي قامت بها منظمة التحرير الفلسطينية قبل مؤتمر مدريد 1991 وأتفاق أوسلو 1993 في محاربة إسرائيل منذ أعلانها في العام 1964 .
بالمقابل تأسست حركة حماس في 6 كانون الأول 1987 وتعتبر الحركة نفسها امتدادا لجماعة الاخوان المسلمين وكانت قبل ذلك تعرف بأسم (المرابطون على أرض الإسراء ) وحركة ( الكفاح الإسلامي ) وبدأت الأدوار الكفاحية لحركة حماس مع انطلاق الإنتفاضة الأولى 1987 وكذلك أنتفاضة الأقصى في عام 2000 ويعتبر الشيخ أحمد ياسين الذي أغتيل في 22 مارس 2004 مؤسسها والأب الروحي لزعماء الحركة مثل عبدالعزيز الرنتيسي ومحود الزهار وإسماعيل هنية وخالد مشعل .
مبدئياً لاتعترف حركة حماس بأي حق لليهود الذين قاموا باحتلالها عام 1948 ويظهر دائما في أدبياتها أن صراعها مع إسرائيل هو صراع وجود وليس صراع حدود وهي تبعاً لذلك لاتعترف بكل الأتفاقيات التي عقدت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل منذ مؤتمر مدريد وحتى أتفاقيات أوسلو ولقد عبرت حركة حماس عن مواقفها هذه من خلال عدة عمليات أستشهادية قامت بها عن طريق جناحها العسكري ( كتائب عز الدين القسام ) التي قامت في مرحلة لاحقة باستخدام صواريخ محلية متطورة عرفت ( بصواريخ القسام ) واستخدمت هذه الصواريخ خلال حرب غزة عام 2008 والتي وصل مداها في عمق لإإسرائيل في حيفا ونهاريا .
في العام 2002 أطلق الرئيس الأمريكي بوش مبادرة للسلام عرفت ( بخارطة الطريق ) كان الهدف منها البدء بمحادثات تسوية على مراحل تقود إلى تأسيس دولة فلسطينية في العام 2005 برعاية اللجنة الراباعية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الاوربي وروسيا بالأضافة إلى امريكا وكان موقف حركة حماس من عملية السلام وخارطة الطريق هوالمطالبة بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة عاصمتها القدس وحدودها حدود الدولة الفلسطينية عام 1967 قبل المضي في خارطة الطريق مع الإقرار بوجود الكيان الإسرائيلي كواقع حال ولقد أوضح خالد مشعل أمين المكتب السياسي لحركة حماس ذلك : انا كفلسطيني اليوم أتحدث عن مطلب فلسطيني عربي بأن تكون عندي دولة على حدود 67 صحيح ان النتيجة بالأمر الواقع فهذا يعني ان هناك كيانا أو دولة أسمها اسرائيل على بقية الاراضي الفلسطينية هذا أمر واقع .. وظلت خارطة الطريق تراوح في مكانها منذ ذلك التاريخ ولم تقدم أي معطيات ملموسة على الواقع الفلسطيني حيث أستمرت عمليات الإستيطان في الأراضي الفلسطينية .
بعد فوز حركة حماس بالإنتخابات التشريعية في 2006 شكلت حكومة فلسطينية برئاسة إسماعيل هنية ورفضت حركة فتح وبعض الفصائل الفلسطينية المشاركة فيها ولقد جوبهت الحكومة الجديدة بحصار إسرائيلي شامل على قطاع غزة وكذلك أصطدامات عنيفة بين أجهزة الأمن الفلسطيني التابعة للسلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية لحركة لحماس وفشلت كل الوساطات التي قامت لأجل تهدئة الأوضاع بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية ومنها الوساطة القطرية والسعودية التي تم بموجبها عقد ( أتفاقية مكة ) في شباط 2007 وأستمر العداء الذي تحول إلى صراع دموي حتى 14 حزيران 2007 بسيطرة حركة حماس على كامل القطاع وطرد كوادر حركة فتح والسلطة الفلسطينية من قطاع غزة وعلى إثر هذه الأحداث قام الرئيس محمود عباس في رام الله بتكليف سلام فياض بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة ليستمر الوضع الفلسطيني بحكومتين حكومة في قطاع غزة وحكومة في رام الله وظل الحال كما هو عليه رغم الوساطات المتعددة حتى العام 4 مايس 2011 وما شهده من توقيع ما عرف بالورقة المصرية وهي ( وثيقة الوفاق الوطني للمصالحة وإنهاء الإنقسام الفلسطيني ) .
لكن كل ذلك لم يغير في قناعات الطرفين وشروطهما الصعبة لتحقيق السلام في فلسطين وكانت حادثة خطف المستوطنين الإسرائيلين الثلاثة في 12 حزيران 2014 في الضفة الغربية وقتلهم في 30 حزيران قد أشعلت فتيل الحرب التي قادتها إسرائيل ضد غزة وحركة حماس حيث شنت القوات الإسرائيلية حملت إعتقالات واسعة ضد قيادي حركة حماس بالضفة والخليل كحسن يوسف وعزيز الدويك وكانت قوات الإحتلال قد أقتحمت معظم مدن الضفة كرام الله ونابلس والبيرة ومخيم جنين وبعد العثور على جثث المخطوفين وتحت شعار ( الإنتقام بالدم ) الذي رفعته جماعات يهودية متطرفة رد المستوطنون بخطف الفتى الفلسطيني محمد حسين أبو خضير في شعفاط وقتل حرقاً وعثر على جثته قرب أحراش دير ياسين .
أن العدوان الذي تشنه إسرائيل اليوم على غزة وما تتعرض له المدينة من هجمة بربرية ضد سكانها المدنين وعمليات تدمير وقتل منظم تقوم بها وحدات من الجيش الإسرائيلي البري والقوة الجوية والبحرية وحصار مستمر منذ سنين ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في سجل الأستباحات المتكررة للقوة العسكرية الإسرائيلية التي لن ترضى حكومتها العنصرية بغير أستسلام القرار الفلسطيني لإرادة المحتل وشروطه في ظل عدوان وتهديد مستمر وإستيطان لن يتوقف مهما قدمت السلطة الفلسطينية من تنازلات بوجود حركة جهادية بحجم حركة حماس تمسك بنصف القرار الفلسطيني في غزة وما زالت غزة تقدم الشهداء من المدنيين العزل الذين تجاوزت أعدادهم المئات والاف الجرحى وتدمير معظم البنى التحتية لللقطاع وستظل المدن الفلسطينية تدفع الثمن دماءاً غزيرة في ظل ثنائية متلازمة بين السلطة الفلسطينية المؤمنة بالسلام مع إسرائيل قرب ذلك أو بعد بعد أن أخرجت السلطة الفلسطينية السلاح والمقاومة من معادلة تحقيق السلام وبين حركة حماس بجناحها العسكري ( كتائب عز الدين القسام ) التي أتخذت طريق الكفاح والمقاومة سبيلاً لتحقيق أهدافها بإقامة دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف .