المنبرالحر

اللحاق بالمعلم / قيس قاسم العجرش

عشرات قالوها في السر او علانية، أليس من الترف أن نرثي رحيل اسم ثقافي مهم ونحن نفقد يومياً الكثير من الوجود ..ما اكثر مفقوداتنا يا بطران.!, نعم..خانة المفقودات في الوعي العراقي تكاد تنفجر عن ملئها، حتى أن أحدهم تندّر بالقول: إن «العراق» كبلد على ارض الواقع قد تقلص بشكل غير مسبوق لم يشهده أكبر المعمرين العراقيين على قيد الحياة الآن.
لكني اتمنى أن أوفق في تفصيل معنى رثاء شخصية عراقية من مثل أحمد المهنا( في هذا الظرف المتقلص) وأجد الإجابة الأسهل لعلة رثاء شخص واحد قبالة مئات لا أحد بالكاد يذكرهم.
واقع الأمر أن إهمال الضحايا العراقيين كلهم وتجاهلهم والبرود العام في تقبل المصائب إنما جاء بسبب الصمم والتعامي السلطوي عما بشّر به أمثال المعلم أحمد المهنا.
المهنـّا تجربة مدنية إنسانية متوازنة، مثقف صار له أن يدير عملاً إعلامياً متنوعاً وكتابة في الهم العراقي لكنه استغرق عمله في مفاهيمه الحياتية حصراً فلم يخاتل بينهما، مدني في الحياة ومدني في العمل ومدني في ثقافته الرائدة.
انا كإنسان فاتني منه الشيء الكثير ولحقت بآخر ثلاث سنوات من حياته الغنية وكنت محظوظاً أن استمعت منه لعصارات الرأي والتجارب والمـُـثل التي نقلها ونثرها عن طيب خاطر.
نبهني أحد الاصدقاء قبل وفاة المهنا، الى ان معظم وسائل الإعلام التي تنطق باسم القوى المتطرفة والمتشددة إنما يديرها ويعمل فيها عدد كبير من الإعلاميين المحسوبين في آرائهم الشخصية على التيار المدني. هذه لم يقع فيها المهنا طيلة سنوات مديدة من عمره الإعلامي.
ربما يكون محظوظاً،لكنه بالتأكيد وقف في حالات عديدة امام اختيار صعب بين العمل ومثاباته الشخصية وكان دائماً يختار قناعاته التي تراكمت جراء عمل السنين وخبرتها.
لماذا يكون فقدان المهنا محزن الى هذا الحد؟...لأنه يعني فقدان تجربة (وفرص نقلها أيضاً )في زمن أشد ما نكون فيه بحاجة اليها ..جيل طويل ينتظر إرشاداً من معلّم مثله ضاعت عليه الفرصة الآن وللأسف فقلما تجود سماؤنا بأمثاله في زمن الصناعة الرديئة والإعلام الرديء والكتابة الرديئة.
لست حزيناً على المهنا قدر حزني على أن قدر العراق ان يفقد أهم ما في رصيده الفكري الحي في قبالة زبد ورغاء تمطرنا به الشطآن الغريبة .
انا بانتظار معلم آخر ...ارجو أن لا يطول إنتظاري.