المنبرالحر

أزمة السكن إلى أين؟ / محمد موزان الجعيفري

في 31 ايار عام 1977، عقدت الامم المتحدة (مؤتمر فانكونو) في العالم بحضور (500) مندوب يمثلون العالم بالاضافة الى 400مندوب من اعضاء المنظمات الانسانية غير الحكومية وقد ركز المؤتمرون على كيفية التخطيط لنمو المدن والمراكز الصناعية والزراعية وكيفية التغلب على اشكالية الأراضي تجنبا لقلة أراضي البناء وارتفاع اسعارها وكيفية أحياء المدن القديمة دون المساس بالتراث الحضاري ودون طرد السكان وعن ضرورة تأمين المساكن للفئات الفقيرة ومقاومة التحضر المفرط الذي يخلي الارياف من ابنائها ويشيد الأحياء والمدن المشوهة وتأمين الخدمات والتجهيزات الصحية والتربوية والثقافية والرياضية والمتنزهات للجميع ريفيين وحضريين وبلغ سكان العالم الثالث الذين يسكنون الأحياء الهامشية والعشوائية نصف سكان العالم موزعين في أحياء متناثرة والبعض في أحياء الاكواخ والتنك التي لا تتوفر فيها الشروط الانسانية للسكن فهؤلاء الذين يبنون بهذا الشكل بصراحة هم الوحيدين الذين يجدون الحل لازمات السكن فالفقراء هم الذين يبنون بيوت الفقراء على الدوام وما على الحكومات الا ان توفر الأراضي للبناء وهذا هو المطلوب. من تلك الحكومات التي عجزت عن ايجاد حلول لأزمة السكن في بلدانها.
وما من شك فقد تفاقمت أزمة السكن في وطننا الحبيب بعد السنوات العجاف التي عاشها ابناء شعبنا وظهرت أحياء جديدة في العاصمة والمحافظات تجاوز بها المواطنون على مساحات فارغة بين الأحياء النظامية وحتى تجاوز البعض منهم على الشوارع وبنوا عليها دورا بما يمتلك كل مواطن من امكانات مادية واصبح سكان هذه الأحياء يتمردون على السلطة ويمتنعون عن اخلائها متذرعين بان السكن واحد من الحقوق الاساسية للانسان في اي مجتمع، اكد ذلك ميثاق الامم المتحدة ودستورنا الحالي وهم محقون في ذلك ولكن ليس باستيلائهم على هذه الأراضي غير المهيأة للسكن ضمن التخطيط العمراني ناهيك عن تشويه منافذ المدن والعاصمة.
ان السكن عنصر اساسي يحقق الاستقرار للمواطن ويحقق المواطنة لذا على الحكومة ان تولي هذه المشكلة اهتماما خاصا وتجد الحلول اللازمة لها لان بعض هذه الأحياء اضافة ما تسببه من تشويه اصبحت بؤرة للسلوكيات الشاذة والعصابات وتضع الحكومات دراسات وخطط لتوفير السكن الآمن، السريع والمستقبل هو الاتجاه الى البناء العمودي وتشجيع الاستثمار لتوفير الأحياء السكنية للمواطنين وفق الاسس الحضارية التي توفر الاستقرار والراحة لابناء شعبنا العظيم.
ولنا في تجربة حكومة (14تموز عام 1958) خير قدوة في معالجة أزمة السكن آنذاك حيث حصلت نقلة نوعية خلال اربع سنوات من عمرها في معالجة أزمة السكن بتخطيط لأحياء جديدة في جميع مدن العراق ووفرت أراض مناسبة للسكن وزعتها على المواطنين باسعار رمزية كما قام المصرف العقاري بدعم كل من يرغب في البناء وكان اتجاه الأحياء السكنية افقيا ولاقت الحكومات صعوبات في توفير خدمات لهذه الأحياء لكنها ساهمت في حل مشكلة السكن وفي المرحلة التي جاءت بعد ثورة 14تموز الخالدة لم يهتم بأزمة السكن وان كانت هناك معالجات فهي معالجات ترقيعية ومحدودة.
وبعد التغيير في 9نيسان عام 2003وخراب الكثير من المؤسسات، فالدولة وجدت نفسها امام مشكلة كبيرة تحتاج الى جهد كبير في الاعمار والبناء والاعمار وكذلك الاستعانة بتجارب الدول المتقدمة في مجال الاعمار والسكن وتبقى مشكلة السكن أزمة خانقة مع غياب خطط البناء والاعمار بعيدا عن الارتجال والترقيع لان مشكلة السكن تتضخم وتزداد كلما طال عليها الزمن والعراق وكل بلدان العالم الثالث في ازدياد بشري هائل وحتى يكون الحل لهذه المشكلة جذرياً يجب ان يكون حلا اقتصاديا واجتماعيا وصحياً ومتوافقا مع متطلبات العائلة العراقية وطبيعتها كما يجب ان يكون هناك الى جانب السكن مؤشرات بيئية مناسبة مثل:
1- تحديد أراض مناسبة للابنية الجماعية وليس الفردية والتركيز في كل الخطط التي تضعها دور التخطيط واتركيز على البناء العمودي وتأسيس ممرات انتقائية للمشاة وسط أراض خضراء توحي للناظر ان النباتات جزء من اشجار الأراضي الباسقة وليست مليئة بالشوارع والازقة الضيقة والقيرية التي تشكل سببا لارتفاع درجات الحرارة في هذه الأحياء.
2- التخطيط الآني والبعيد المدى للمناطق على حساب الولادات المتزايدة استراتيجيا ليس لمرحلة واحدة مما يؤدي ذلك الى التزاحم واكتظاظ الأحياء والمدن مجددا والذي يؤدي بدوره الى مشكلة البرمجة لمشاريع الاسكان.
3- اشراك المستتثمرين العراقيين والاجانب في حملة وطنية لبناء الوحدات السكنية في ارجاء الوطن وتقديم كل التسهيلات الى هؤلاء المستثمرين.
4- ايجاد حلول لمشكلة الآلاف المتجاوزين على الأراضي وتوفير سكن لائق بهم.
5- ايجاد صناديق متعددة الى جانب المصرف العقاري لدعم المواطنين الراغبين في البناء وتوفير كل التسهيلات لهم.