المنبرالحر

العراق: وماذا بعد الموصل..؟؟!/ باقر الفضلي

بماذا يمكن للمرء أن يتذرع ليجد تفسيراً مناسباً وأكثر واقعية، لأسباب وعوامل مسلسل الأحداث التي إجتاحت العراق خلال شهري حزيران وتموز/2014، وتداعياتها المتواصلة حتى اللحظة، بعد أن إختلطت التفسيرات، وضاع التفريق بين الخيط الأبيض من الأسود في لجتها المظلمة، وإستمرأ غير قليل ممن قد تطالهم المسؤولية، النتائج التي ترتبت عليها.. حتى بات الحديث عن مدينة بحجم الموصل وكثافتها السكانية، كمثل من يتحدث عن نقطة في الصحراء..؟؟!

إذا كان التذرع بما يدعى ب "المؤامرة" وهي مقولة تعارف عليها الناس، لدرجة أصبحت معه المفردة، أقرب الى حالة من التندر، عندما يعجز المردد لها من الوصول الى أسباب مادية ومنطقية يقبلها العقل، أو أن يقرنها بالدلائل والحجج المادية التي تدل عليها، أو غيرها من الدلائل اليقينية التي لا تقطع بالشك ، ولكنها وفي جميع الأحوال لا تخرج في ملابساتها وتشابك خطوطها عن شيء من هذا القبيل والله أعلم..!؟

وفيما نحن فيه، حول ما يسمى بأحداث الموصل، وما تعلق بها من غزوة ما يدعى ب " داعش" ، فقد ينصرف العقل الى فرضيات، ترجع بالمراقب الى جذور الأحداث نفسها، فهناك ما يقال حول ما يسمى ب " الربيع العربي" ، وكيف أن العراق هو من أوائل من شملتهم بركات ذلك الربيع في آذار/2003 بخيراتها، وبالتالي فإن تدفق من يدعى ب " القاعدة " وحفيدتها " داعش" على العراق ، حيث أن الطرفين هما من صلب واحد والحمد لله؛ فوجود ما يدعى ب " داعش " اليوم في الموصل، يصبح من البدهيات المنطقية، فقبلها وجدت " القاعدة " على أرض العراق، تطفلاً على بركات "الربيع العربي"، وحسداً لأبناء العراق الميامين في التنعم بخيرات البلاد من نفط وغاز، ومن آلاء أنعم الله بها على العراق وشعبه بعد آذار عام /2003..!؟؟

وبالتالي قد لا يرى "البعض" ضيراً في أن تستقطع الموصل من جسدها العراقي، وأن ينكل بأهلها، بهذه الطريقة المشينة؛ من تهجير ديني وإثني، وأن تدمر رموزها الدينية والثقافية والتأريخية، وأن يجري إخضاع مواطنيها الى أعراف وأحكام لا تمت الى الدين أو العرف ولا حتى القانون بصلة، ويتحكم في المدينة قوم، لا تربطهم صلة بكل ما يعلنوه، سوى أنهم، يؤدون مهمة قد خططت لهم، وأن تكون إستباحتهم لمدينة بهذا الحجم والمكانة، وفي ظل ما يدعى بالإتفاقية الأمريكية _ العراقية، التي طبل وزمر لها كثيراً، إستهانة لا حد لها بسيادة العراق وكرامة شعبه، في ظل حكومة تسيير الأعمال..!؟

فقد مر كل شيء بهدوء؛ ولسنا هنا بصدد تداعيات تلك الأحداث، فهي تترى وتتلاحق يوماً بعد آخر، ولعل ما لحق الطائفة المسيحية من أبناء الموصل الإقحاح، من ظلم وتعسف وإنتهاك لحقوق الإنسان، ما يرسم صورة معبرة عن تلك التراجيديا المأساوية التي أصابت الشعب العراقي، منذ أكثر من عشر سنوات ؛ وليس من وارد القول هنا، أن تعويض النازحين، وحده كافياً لضماد جراح نكبة النزوح، أو أنه يصلح أن يكون تعويضاً عن المكان الآمن والوطن الأم، فحجم الصدمة النفسية فوق ما يمكن تصوره؛ إذ ما حل بمدينة الموصل الحدباء لا يخرج عن كونه، كارثة وجريمة ضد الإنسانية، لا يعدلها في تأريخ العراق الحديث ما يمكنه أن يخفف من شدة وقعها على النفوس، أو ينسي الأجيال ذكريات المأساة وهول المصيبة..!!؟؟؟

وهل من الغرابة القول أو من باب التكهن، أن ترتبط أحداث الموصل، من حيث تحريكها وأهدافها، والمسار الذي إتخذته، بما جرى ويجري اليوم على الساحة الفلسطينية، وما ترتكبه الحكومة الإسرائيلية من عدوان غاشم على غزة، لتضيع تلك الأحداث في خضم ذلك العدوان، وأن تبتعد الأنظار عن حجم الحدث في الموصل، ليجري التركيز وبشكل ملحوظ، على المستوى الإقليمي والدولي، لأحداث العدوان الإسرائيلي على غزة الصامدة، حتى يتناسى الناس ، ما جرى ويدور من أحداث على مستوى الموصل، الأمر الذي قد يدفع بإمكانية ربط أحداث الموصل، من حيث الأصل والتخطيط، بما جرى ويجري على الساحة الفلسطينية، لغرض تمرير مخطط غزو الموصل، وكأنه حدث عابر ومر في غفلة من الزمن، ربما كانت فيه الدولة العراقية وقواتها المسلحة، في حالة من العجز والتخدير، ليمر الماء من تحت أقدامها، وهي لا تلوي على شيء، وليصبح التشبث بمقولة " المؤامرة " المجهولة التفاصيل والتي يكتنفها الغموض، سيد الموقف، ومن خلاله يمكن تبرير الكثير من التداعيات الكارثية التي لحقت بالمدينة ومواطنيها الأبرار، وكأنه قدر محتم..!؟؟

فورقة ما يدعى ب " داعش "، باتت تلعب وتؤدي دورها في المنطقة بشكل لا غبار عليه، والغموض الذي يكتنف اللعب بها، أخذ يلقي بضلاله على كل المشهد السياسي في المنطقة ومنها العراق، حيث ليس بعيداً عن ذلك، ما يجري على صعيد العملية السياسية نفسها، وما يمكن أن تجره تداعيات ورقة " داعش " من تغييرات محتملة على تلك العملية برمتها، في وقت باتت فيه الأحداث الفرعية والجانبية، وعلى مستوى العلاقات بين أطراف العملية السياسية نفسها، تتجه الى حالة أقرب الى التنافر والإبتعاد، منها الى التعاون والإقتراب..!؟

ولعل فيما يجري الحديث عنه من نشاطات مجاميع " داعش " في منطقة محافظة الحسكة السورية المجاورة للعراق والتي يتكون نسيجها السكاني من العرب والكورد والآشوريين والسريان والإيزيدية، وعن ما يجري في سنجار وربيعة العراقيتين، ناهيك عما يجري على الحدود السورية اللبنانية، من توغل لنفس تلك القوى الإرهابية وبالخصوص في منطقة "عرسال" الحدودية، ما يدلل على سعة المشروع المخطط له بالنسبة للعراق وسوريا ولبنان، في وقت لا يتجاهل فيه المرء، ما يطرح في الساحة السياسية اليوم، من ترجيحات محددة لطلبات التسليح الخاص خارج إطار الدولة، مما يبعث على القلق وتعقيد الأزمة..!؟

خلاصة القول، فإن تشعبات ما حدث في الموصل وتداعياته المتواصلة، ليست بالأمر العارض، أو الصدفة غير المتوقعة، أو أنها أتت من فراغ، فالأمر أبعد وأعمق من كل ذلك، ولا يمكن فصله بأي حال من الأحوال، عن طبيعة ما يجتاح المنطقة منذ سنوات، من هجمة دولية، يقف ورائها "التحالف الأمريكي الغربي" وشركائه في المنطقة، تستهدف إعادة رسمها من جديد، بما يحقق مصالح قوى التحالف المذكور، القريبة منها والبعيدة وهو ما تدركه وتعيشه دول المنطقة منذ سنوات، ناهيك عن تناقضات الصراع الداخلي بين أطراف العملية السياسية نفسها؛ أما داعش وما حولها من المسميات فليست بنت اليوم، وهي من أدوات اللعبة المرسومة للمنطقة، وعلى حد قول المثل الشائع " من فمك أدينك"..!؟(*)