المنبرالحر

الاقليات في العراق ..رحلة نحو المجهول/ احمد عواد الخزاعي

شكلت الاقليات الاثنية والعرقية من (مسيحيين وتركمان وايزيديين وشبك وصابئة ) جزء مهما من النسيج الاجتماعي العراقي عبر مر العصور، وتعتبر من اقدم المستوطنين فيه وسكنته اقدم حواضره التاريخية، وقد مرت هذه الاقليات بمراحل وفترات مد وجزر تبعا لطبيعة النظام الحاكم والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مر بها العراق عبر تاريخه الموغل بالقدم ، لكنها في اغلب الاحيان كانت تقع فريسة سهلة للصراعات السياسية التي كانت غالبا ما تتستر بشعارات الدين والقومية .. فالداسنية او كما اطلقت عليها الدولة العثمانية (الايزيدية ) ، عاش افرادها منذ اقدم العصور في المنطقة الشمالية من العراق وبالاخص في جبال سنجار ويرجع اصلهم الى الشعوب الهندواوربية من القومية الكردية ،وقد تأثروا بالفسيفساء الاجتماعية المحيطة بهم فتشكلت لغتهم وازيائهم تأثرا بهذا المحيط ..ويبلغ عددهم اليوم ما يقارب الخمسمائة الف نسمة.. وقد تعرضت هذه الطائفة لحملات ابادة وقتل من خلال فتاوى التكفير التي كان يصدرها بعض علماء الدين المسلمين بدافع التطرف ..ويشير الكاتب كاظم زهير عبود في كتابه (الايزيدية في كتب التاريخ العربي )..على ان اولى الحملات العسكرية التي شنت على هذه الطائفة كانت في زمن اميرهم (مير جعفر الداساني) من قبل جيوش الخليفة العباسي الثامن المعتصم بالله سنة 224 هجرية ..الا ان اكثر الحملات وحشية جاءت ضمن سلسة تعاقب عليها الولاة العثمانيون الذين حكموا بغداد والتي كانت عددها اكثر من عشرين حملة عسكرية كما ذكر الكاتب عدنان زيان فرحان في كتابه (مأساة الايزيديين ) ..بدء بحملة والي بغداد حسن باشا عام 1715ميلادية وانتهاء بحملة (الفتيان الاتراك) التي اعقبت حملة ابادة الارمن في تركيا سنة 1915 ميلادية ..وفي تاريخ العراق الحديث تعرضت هذه الطائفة وكجزء من المكون القومي الكردي الى القتل والتهجير في عمليات الانفال سيئة الصيت التي قام بها نظام البعث ابان الحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن الماضي ..وما يتعرض له الايزيديون اليوم من عمليات قتل وتشريد واغتصاب على ايدي الجماعات المتطرفة من داعش وحلفائها ما هو الا اكمال لهذا المسلسل التاريخي الدموي الذي كان وما يزال تقف بين ثناياه الايدي العثمانية المتمثلة بحيدر بن كاوس الافشين التركي قائد جيوش المعتصم الى اوردوغان مرورا بالدولة العثمانية وولاتها.. واما الطائفة المسيحية والتي يعتبر اتباعها من اقدم الاقوام التي سكنت هذه الارض كونها بقايا الحضارات البابلية والاشورية والاكدية ..وكانت الصفة الطاغية على علاقتهم مع باقي مكونات الشعب العراقي هي التعايش السلمي، حتى بعد دخول الفتح الاسلامي الى هذا البلد سنة 15 هجرية ..الا انهم تعرضوا في السنين القليلة الماضية لاعتداءات كثيرة من قبل المتطرفين نتج عنها قتل وتشريد اعداد كبير منهم وادى هذا الاستهداف المتكرر الى تناقص اعدادهم في العراق من ثمنمئة الف نسمة الى اربعمئة الف ..ويعتبر ما حدث بعد 9 حزيران وسقوط الموصل بيد الارهاب من اكبر المنعطفات الخطيرة والمصيرية التي مرت بها هذه الطائفة كون الموصل تعتبر من اكبر التجمعات السكانية لها في العراق ..ولكن المثير للاستغراب هو صمت العالم المسيحي عن هذه الجرائم التي ترتكب بحقها ، وكل ما قام به هو فتح بعض الدول الاوربية ابوابها لهم في سياسة مفضوحة تكشف عن مدى عظم المؤامرة التي يتعرض لها العراق ، ومحاولة تفريغه من هذا المكون المهم، تمهيدا لتنفيذ المشروع التفتيتي له وللمنطقة تحت مسمى الشرق الاوسط الكبير ..واما المكون الذي تعرض لعملية ابادة ممنهجة من قبل الجماعات المتطرفة وعلى امتداد الاحد عشر سنة الماضية فهم التركمان الشيعة من سكنة قضاء تلعفر وطوز خورماتو ، بسبب انتمائهم العقائدي لمذهب اهل البيت عليهم السلام وكجزء من المخطط الذي يهدف الى افراغ مناطق نينوى وكركوك وصلاح الدين من المكون الشيعي ، الذي تسعى اليه الجماعات المسلحة المنفذة للمشروع الدولي والاقليمي في العراق والتي تقف على رأسها داعش ..وهذا السيناريو تكرر وبنفس الاسلوب والوحشية مع الشبك وهم القبائل التي تسكن سهل نينوى وينتمون الى المكون الكردي تبعا للغتهم التي تنحدر من اللغة الكورانية والتي هي اصل اللغات الكردية كما يذكر الكاتب رشيد خيون في كتابه (الشبك معركة الهوية )..وقد اشار تعداد 1977 على انهم عرب ، ويقدر عددهم اليوم تقريبا بمئة الف نسمة ، ويشكل وجدوهم مجموعة من القرى يبلغ عددها اكثر من خمس وثلاثين قرية ممتدة في سهل نينوى ..وهم الان يعانون اصعب الظروف الاجتماعية والنفسية بعد تهجيرهم من قراهم عنوة وقتل اعداد كبيرة منهم ثمنا لانتمائهم المذهبي ، وكجزء من ايدلوجية الجماعات المتطرفة التي اتاحت للمسيحيين والايزيدية فرصة التوبة واعلانهم اعتناق الاسلام وحرمت الشيعة من هذا المخرج الفقهي كونهم كفرة مرتدين في نظرهم ، ويجب ان يقتل رجالهم وتسبى نسائهم وتسلب اموالهم ..والنتيجة نحن اليوم امام مئات الاف من المشردين من هذه الاقليات السائرين نحو المجهول ، ونجد الحكومة عاجزة عن ايوائهم او توفير الخدمات الضرورية لهم ،على الرغم من ان محافظات الوسط والجنوب قد فتحت ذراعيها لجزء كبير منهم ..ولكن عظم المشكلة وتشعبها تحتاج الى وقفة كبيرة وجادة من كل الفعاليات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمرجعيات الدينية لتجاوز هذه المحنة ، ولكي لا تكون هذه الهجرة عاملا لتلاشي وذوبان هذه الاقليات او تكون رحلتهم الاخيرة الى ارض الشتات ، كمصير الارمن على يد الاتراك عام 1915 ميلادي ، وتتحقق الغاية من هذه المؤامرة الدولية بحدوث عملية فصل اثني وقومي تمهيدا لتقسيم العراق ، كالهجرة التي حدثت بين الهند وباكستان بعد الاستقلال عن التاج البريطاني عام 1947.