المنبرالحر

المهام الصعبة تُذلل بالوحدة الوطنية/ د. يوسف شيت

تتجه أنظار العراقيين إلى الرئيس المكلّف لمجلس الوزراء والإسراع بتقديم تشكيلته الوزارية وبرنامجها الوزاري البنّاء، القابل للتنفيذ، إلى مجلس النوّاب لنيل الثقة وبدء العمل الجدّي الدؤوب في تنفيذه . ليس هناك من يقول بأنّ مهام الرئيس الجديد ستكون سهلة التنفيذ، نعم سيكون العمل شاقا بسبب التركة الثقيلة للوزارات السابقة، وخاصة وزارة السيد المالكي. ونحن لسنا بصدد اتهام السيد المالكي، لأنّ الوضع المزري في البلد هو الذي يتكلّم عن ذلك؛ عبّر ويعبّر عنه المواطنون في كافة محافظات العراق. كما أنّ المالكي لا يتحمّل كامل العبء الثقيل الذي تركته فترتا وزارته كونه، أولا، يمتثل لنظام محاصصة طائفي وأثني كان أحد داعميه، وثانيا، وبالضرورة تشاركه الكتل المتنفذّة الأخرى القابلة بنظام المحاصصة، سواءا في البرلمان أو في مجلس الوزراء، وثالثا، ما تركته وزارتا السيدين إبراهيم الجعفري وأياد علاّوي وإدارة بريمر من مشاكل لم يجر حلّها من قبل السيد المالكي، فتراكمت المشاكل، من اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية وأمنية وتفاقم الفساد بشكل ملفت. السبب الرئيسي في عدم تمكّن حكّام البلد الإنتقال من نظام ديكتاتوري إلى نظام برلماني ديمقراطي يؤمّن التداول السلمي للسلطة هو عدم وضع برنامج تنفيذي للتخلّص من التركة الثقيلة للنظام السابق الذي كان شغله الشاغل حروب داخلية وخارجية وتخريب بنية المجتمع ومحاربة العقائد والأفكار التي تخالف عقيدة الحاكم وفكره المريض، وفرض حصار جائر على الشعب من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة بسبب السياسات الخرقاء للدكتاتور وعلاقاته المتوترّة مع الدول الأخرى. ليس للشعب العراقي لا ناقة ولا جمل في سياسات النظام السابق التي أدت لإحتلال البلد. إنّ إهمال هذا الجانب المهم كان بسبب تبني نظام المحاصصة الطائفية والاثنية من قبل الحكّام الجدد رغم رفضهم له بالكلام وتنفيذه على أرض الواقع. وكانت الأحزاب والشخصيات الوطنية قد أشارت إلى أهمية التخلّص من تركة النظام الدكتاتوري. وكان الحزب الشيوعي العراقي قد إكّد في برامجه المقرة من قبل مؤتمراته الوطنية, سواءا قبل سقوط النظام أو بعده, على ضرورة تصفية هذه التركة وفتح الطريق للانتقال إلى نظام برلماني ديمقراطي، إلاّ أنّ نظام المحاصصة وما رافقه من محاولات تهميش وإقصاء لا يمكن أن يتبنّى الديمقراطية ويفسح المجال للحريات العامة، لذلك فشل هذا النظام في إصلاح وبناء البلد وتراكمت المشاكل التي لم يتمكّن الحكّام من إيجاد آليات لحلّها، بل اتجهوا نحو التركيز في الحصول على الامتيازات والمغانم والتشبث بالمراكز على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب.
أمام رئيس مجلس الوزراء الجديد مهام كبيرة وخطيرة، في مقدّمتها الوضع الأمني والتحدّي التي تفرضه المنظمات الإرهابية، مثل داعش ومن يتعامل معها، والميليشيات التي تنتهز انشغال القوّات المسلحة في محاربة التنظيمات الإرهابية الأخرى لتنتشر في المحافظات الجنوبية وتعتدي على من لا يأتمر بأوامرها. والقضاء على الإرهاب بكلّ أشكاله لا يمكن بدون تشخيص العوامل الموضوعية والذاتية، سواء كانت داخلية أو خارجية، التي أدّت إلى زيادة نشاطه وتنوّع أساليبه حتى انتهى الأمر إلى تمكّنه من احتلال أراضي واسعة وترويع الناس بأساليب بشعة تقشعرّ لها الأبدان . وهنا لسنا بصدد تشخيص كل العوامل والغور في تفاصيلها الدقيقة، لأنّ ذلك هو من اختصاصات لجان مهنية واستشارات أصحاب الخبرة في داخل وخارج العراق وتحت إشراف رئيس مجلس الوزراء. ومن الطبيعي أن تستمرّ القوّات المسلحة العراقية، بما فيها قوّات الاقليم، بكلّ تشكيلاتها الاستمرار بإنزال ضرباتها بقوى الإرهاب وعدم إعطائها المجال في التشبث بالأرض التي استولت عليها والتوسع أكثر. والعوامل الظاهرة للعيان في انتشار الإرهاب متعددة وهي :
1-الفساد الإداري والمالي الذي استشرى في السنوات الأخيرة، مع العلم كان السيد المالكي كان قد أعطى وعدا بأن يكون عام 2008 هو عام القضاء على الفساد، إلاّ أنّ الوعد أصبح في مهبّ الريح، بل وأصبح الفساد ظاهرة مجتمعية بحيث تربّع العراق على رأس القائمة العالمية في الفساد. والكثير من الأموال المسروقة إصبحت مصدرا لتمويل المنظمات الإرهابية السنية والشيعية على حدّ سواء.
2- العلاقة المتوترة بين الحكومة المركزية، من جهة, وبين مجالس المحافظات من جهة أخرى، وبشكل خاص مع الاقليم. ولم يستطع أطراف النزاع من وضع حدّ للمشاكل، بل أخذت منحى التحدّي، حتى وصل النزاع بين الحكومة المركزية والاقليم إلى حالة التأهّب للقتال ورفع مستوى الشحن القومي، وهنا نستنتج؛ كم كانت التربة خصبة ليتعشعش عليها الإرهاب.
3- العلاقة المتوترة بين البرلمان والحكومة التي عكستها الإتّهامات فيما بينها، حتى أخذت طابع الخلافات بين السنّة والشيعة، مما ساعد على التجييش الطائفي وزيادة أعداد المسلّحين وتنّوع أسلحتهم، وزيادة ظاهرة تفكك المجتمع. أدّى كلّ ذلك إلى إخفاق البرلمان في تشريع أهم القوانين والرقابة على أداء الحكومة التي هي الأخرى فشلت في تنفيذ مهامها. وهنا يرى المواطنون وكأنّ الحكومة شكّلت لخلق المشاكل لا لخدمتهم.
4- توتّر العلاقات بين العراق والدول الأخرى، خاصة الاقليمية منها ومحاباة دول أخرى على حساب القرارات السياسية والإقتصادية والثقافية العراقية المستقلة . ساعد ذلك في احتضان بعض الدول لمنظمات إرهابية، بما فيها داعش، والتدخل في الشؤون الداخلية للعراق لإفشال العملية السياسية.
5- فشل الحكومة في تقديم الخدمات إلى المواطنين، كالماء الصالح للشرب والكهرباء والخدمات الصحية وتحسين التعليم بكلّ مراحله وترك الملايين في السكن العشوائي وتفشي ظاهرة الفقر والبطالة بسبب عدم تقديم الحكومة برامج تطوير الصناعة الوطنية لامتصاص البطالة والفقر والتخلي عن الاقتصاد الريعي. سبّب كل ذلك توجّه مجاميع من الشباب للإنخراط في صفوف المنظمات الإرهابية الطائفية.
6- بالإضافة إلى العوامل المذكورة أعلاه في تفشّي ظاهرة الإرهاب وتنوعه كمّا ونوعا:
أ- اعتمدت الحكومة على الجانب العسكري فقط لمحاربة الإرهاب وتركت الجوانب المهمّة الأخرى، مثل التوعية بخطورة الإرهاب بين صفوف المواطنين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والطائفية ومحاربة التجييش الطائفي مهما كان نوعه.
ب- أهملت الحكومة تفعيل الجانب السياسي لسد الطريق أمام مفتعلي الفتن، مثلا كانت سياسة السيد المالكي تجاه متظاهري الأنبار عام 2012 غير واقعية، بل واستفزازية بالتهجم عليهم واتّهامهم بالإرهاب، وعدم تنازله لإجراء لقاء مباشر معهم، مما أستغل هذا الموقف من قبل المنظمات الإرهابية وتمكّنها من احتواء الكثير من الذين كانوا يحاربونها سابقا وجرّهم إلى صفوفها حاليا .
ج- إصرار رئيس الحكومة على عدم الاستماع إلى الآراء والأفكار التي قدّمت من قبل أحزاب وشخصيات وطنية من داخل وخارج الحكومة لدرء الأخطار التي تسببها سياساته، ومنها عقد مؤتمر وطني يجمع كافة القوى المؤمنة بالعملية السياسية لوضع خارطة طريق تخرج العراق من أزماته, وكذلك مقترحات بإجراء انتخابات نيابية مبكّرة وغيرها من المقترحات.
د- ترك الجيش بدون تسليح وتدريب جيّدان ليرقى الى مستوى مواجهة الإرهاب, بل تحوّلت عقود التسليح إلى عش لسرقة الأموال. بهذا تحوّلت الحكومة إلى"مستعمرة" للإرتزاق.
المهام الموضوعة أمام الرئيس الجديد لمجلس الوزراء صعبة، وتحتاج إلى برنامج تتفاعل معه كافة الكتل الداعمة للعملية السياسية، أي التي يهمّها إخراج البلد من مأزقه، مع تحديد أوقات لتنفيذ محتويات البرنامج ومتابعته بجديّة، والتخلّي عن الارتجالية في تنفيذه مما قد يسبب في خلط الأوراق والإخفاق في التنفيذ. رغم كلّ الصعوبات، تستطيع حكومة وحدة وطنية تتشكلّ على أساس الشخص المناسب في المكان المناسب، أي كلّ حسب مهنته، إبتداءا من الوزير وصولا إلى أقسام الوزارة الأخرى، والتخلّي عن كون الوزارة ودوائرها مجرّد أمكنة يرتزق منها المقربون للوزير وأصدقائه من طائفته أو قوميته أو عشيرته، وكذلك بالنسبة إلى المؤسسات المستقلّة . ونأمل من الرئيس الجديد السيد حيدر العبادي، كونه حامل شهادة الدكتوراه في الهندسة وصاحب خبرة جيدة في مهنته، أن يقبل بالواقع ويبتعد عن توزيع المناصب وفق الانتماءات الحزبية والطائفية والقومية، عندها سيلقى الدعم من كلّ العراقيين ومن كلّ مكوناتهم، سواءا كانوا في الحكومة أو خارجها، ومن الدول التي تريد لبلدنا خيرا والعيش بسلام.