المنبرالحر

بين يوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا / فلاح كنو

لاتوجد دولة في العالم في شماله وجنوبه أو في شرقه أو في غربه لايوجد فيها تنوع عرقي، وإن كان أبناء دولة ما من عرق واحد فأننا سنجد التنوع الديني والمذهبي في تلك الدولة وكذلك التنوع في المعتقد السياسي . ولا يوجد جواب أو تفسير واضح حول أسباب او ماهية التنوع. فالقران الكريم يشير أن الباري هو الذي خلقنا وجعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف ... فهو جعل الهي. هذا من جانب ديني، يضاف اليه تراكمات السنين، حيث منذ خُلق أدم والأنسان يهاجر ويُهجر فرادآ او جماعة، تارة بحثآ عن لقمة العيش بسبب الجوع أو النقص في الموارد، وتارة الهروب من الحروب والبحث عن الآمن والسلام. ولهذه الأسباب وجدت أقليات عرقية ودينية ومذهبية في أغلب دول العالم، قد يكون حجمها كبير وملموس فتسعى الى إثبات هويتها ضمن إطار الدولة وحدودها. ونتيجة لرفض هذا المطلب تنشأ الحروب ويقتل الأبرياء.
في منطقة الشرق الأوسط وفي العراق يوجد تنوع عرقي وديني ومذهبي، ويوجد العديد من المعتقدات السياسية. فهذه المنطقة هي مهبط رسالات السماء ومولد الحضارات. وبعد موجة الربيع الذي ضرب دول عديدة في المنطقة ورفرفة أجواء الحرية والديمقراطية، ولكونها ديمقراطيات ناشئة لا تمتلك خبرات فن الممكن، تعثرت الكثير من الدول في الانطلاق الى بناء إنسانها الذي خرج للتو من ضغط الديكتاتورية وحكم الفرد وأخذت تنشغل بالمناكفات والصراع على السلطة وفرض راي الأكثرية وإقصاء الأقلية تحت شعار الإستحقاقات الأنتخابية. ونتيجة لهذا الفعل أخذت الأصوات تتصاعد من أقليات مختلفة وفي دول عديدة الى أنشاء أقاليم كردة فعل من أجل الحفاظ على الهوية أومن أجل الحماية من الإبادة الجماعية أو الإقصاء من المشاركة في دائرة صنع القرار. وصل الأمر في بعض المناطق الى ترويج فكرة الإنفصال. لا أريد أن ألوج في أحقية هذا المسعى فالسناريوات متعددة وكل منها له خصوصيته، و القرار بيد من يريد الأقاليم أو الإنفصال. ولكن أود طرح نموذجين للإنفصال وليكون نبراساً نهتدي به اذا ما فشلت كل المساعي للحفاظ على الوحدة الوطنية في بلدان المنطقة.
يوغسلافيا الاتحادية .... إتحاد يتالف من صربيا، كوسوفو، مقدونيا، الجبل الأسود، البوسنة، كرواتيا وسلوفينيا. أعراق وأديان مختلفة تعيش في هذهة الدول من القارة الأوربية وتسمى بدول البلقان نسبة الى سلسلة جبال تحمل هذا الأسم. إحتل العثمانيون هذه المنطقة في 1499 بعد حروب دامية، وتغيرت الخارطة السياسية بعد اندحارهم على يد الأمبراطورية الروسية. وأسس الصرب مملكتهم بينما أصبحت مناطق كرواتيا والبوسنة وسلوفينيا تدريجياً تحت أمرة الأمبراطورية النمساوية/ الهنغارية. وبعد تحرير هذه الدول من الأحتلال النازي 1945، تأسست جمهورية يوغسلافيا الأتحادية الأشتراكية وأصبح جوزيف تيتو رئيساً لها. 1990 وبعد انهيار الأتحاد السوفيتي وبعد إجراء انتخابات حرة في كل من كرواتيا وسلوفينيا تصاعدة الأصوات للإنفصال عن الاتحاد، ومعها بدأت الحرب بين الصرب من جانب وكرواتيا وسلوفينيا من جانب آخر. في 1992 أعلنت البوسنة استقلالها من الأتحاد فكانت الحرب بينهم وبين الصرب والكروات. ولم تتوقف حتى قامت أمريكا بقصف صربيا وشلت حركتها وأعلن أستقلال البوسنة والهرسك. ولكن كان الثمن باهضاً جداً لجميع الأطراف المتصارعة حيث راح ضحيتها مئات الالف من الأرواح وتدمير كبير جداً للبنية التحتية وانهيار في الاقتصاد، حيث لا زال الدمار شاخصاً حتى يومنا هذا في العاصمة بلغراد نتيجة القصف الأمريكي. حيث يرفض الصرب إعادة بناء ما تم تدميره كي يبقى شاخصاً للأجيال ويستعمل أداة لشحذ النفوس لإعادة البوسنة للحضيرة الصربية، وتسمع هذا من أغلب الصربيين. أما عن الوضع الأقتصادي فهو متردي جداً في صربيا بالذات وكذلك في البوسنة نتيجة للحرب المدمرة بينهم. ولم يبقى في الاتحاد الاّ صربيا والجبل الأسود، وهو قائم حتى الآن.
جيكوسلوفاكيا أو شيكوسلوفاكيا ... بعد سقوط الأمبراطورية النمساوية/ الهنغارية تأسس اتحاد بين الجيك وسلوفاكيا عام 1918. فبالاضافة الى الأختلاف العرقي هناك إختلافات مذهبية كثيرة في هاتين الدولتين. وأستمر حال الاتحاد حتى أحتلتها المانيا النازية عام 1939 وأبقت عليه بعد أن أقتطعت بعض الأراضي هنا وهناك. وإبان الحرب العالمية الثانية وبعد اندحار النازية على يد السوفيت عام 1945 في هذه المنطقة، أصبحت جمهورية جيكوسلوفاكيا من منظومة الدول الشيوعية التي يترأسها الأتحاد السوفيتي وعضو في حلف وارسو. وفي 1991 وبعد إنهيار الأتحاد السوفيتي، بدأت بوادر إنفصال بين الدولتين. وبعد مناقشات يسيرة جداً اتفق الجانبان على الإنفصال، وحصل ذلك عام 1992. وعندها انتهت جمهورية جيكوسلوفاكيا. وتم تقديم طلب الى الأمم المتحدة بإسم جمهورية الجيك و طلب آخر بإسم جمهورية سلوفاكيا، وتمت الموافقة دون إسالة قطرة دم ودون تدمير أي بنية تحتية في كلا البلدين. وليس هذا فقط بل أصبحت الجمهوريتان أعضاء في الأتحاد الأوربي ( حيث يضم 27 دولة وتعداد سكاني بحدود الـ 500 مليون نسمة ويستطيع أبناء كلا الدولتين العيش في أي من دول الأتحاد)، وأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الأقتصادية، ومنظمة التجارة العالمية، ويعتبر اقتصاد سلوفاكيا المتصاعد من أفضل اقتصادات دول الأتحاد.
نموذجان من القارة الأوربية سعيا الى الانفصال. يوغسلافيا، قتل، دمار، كراهية واقتصاد مدمر وحصل الأنفصال، مما أدى الى ضيق الأفق والتحالفات السياسية والأقتصادية. جيكوسلوفاكيا، تفاهم ومدنية واحترام متبادل، فكانت النتيجة إنفتاح على باقي دول أوربا مما منحهم مساحة أوسع للتعامل والأنتساب. فهل شعوب يوغسلافيا تم إستغفالها من قبل ساستهم وكانت النتيجة الدامية؟ وهل كان ساسة جيكوسلوفاكيا أكثر وطنية وحرصاً على شعبهم فكانت النتيجة استقلال وحرية ورفاه وبناء وحياة كريمة.
فاذا ما تعالت الأصوات في إحدى دول المنطقة فما هو خيارنا وأي النموذجين نختار، والمنطقة تعج بالتنوع العرقي والديني والمذهبي والأصوات تتصاعد هنا وهناك بان الإنفصال هو الحل والأرواح ة من أجل الاستقلال.