المنبرالحر

خاطرة مُرّة / عبد الجبار نوري

عندما اتذكر المتقاعدين في وطني العراق ينتابني ثمة شعور بالاحباط والحسرة على تلك الشريحة التي اصبحت خارج نطاق الخدمة. هذا وان العراق غني بثرواته الضخمة التي تجاوزت 110 مليار دولار. والمتقاعدون في العراق يشكلون النخبة المثقفة الواعية والذين افنوا شبابهم في خدمة العراق الحبيب، منهم المعلمون والمدرسون وموظفون في دوائر الدولة وعددهم الكبير شكلوا طبقة اجتماعية وشريحة واسعة من المجتمع. فهي متعبة ومرهقة بسبب تقدم العمر والامراض المزمنة جراء العمل المضني.
وعانت هذه الشريحة بالذات من حماقات الحكم البعثي الصدامي وشربت وعايشت ازمات هذا الحكم الفاشي بكل فتراته الثقيلة والمؤلمة. فمن اسوأ الحكام الدكتاتور صدام حسين الذي ترأس العراق بغفلة من الزمن، وثبت من خلال تصرفاته الهوجاء انه شخصية ملتوية التركيب يحمل من العقد النفسية والاسقاطات ومركب نقص، قاد العراق الى المجهول بحروب عبثية عشوائية ظالمة افرزت الملاين من القتلى والاسرى واليتامى والارامل وجيشاً من البطالة والتدهور الاجتماعي والاقتصادي، حيث اسقط قيمة الدينار العراقي الى الحضيض، فاصبح راتب المتقاعد لا يكفي لمدة اسبوع، وخصوصا منهم من يتحمل مسؤولية اولاد في الجامعهة وايجار سكن. وإن كان يملك سكن اخذ يبيع اجزاء منه ليحفظ ماء وجهه. واضطر هذا المسن الذي وهن منه العظم واشتعل منه الرأس شيبا الى ان يبحث عن عمل اضافي لسد النقص في الراتب التقاعدي البائس الذي لا يكفي لسد حاجاته اليومية، فاشتغل في اعمال لا تتناسب مع عمره ومركزه ومذلة في بعضها. واذكر حادثة طريفة ومؤلمة في نفس الوقت. حدثني احد طلابي المتفوقين، وهو طبيب يعمل في مدينة الطب، يقول: زارنا البريطاني جورج غيلوي في اواخر التسعينات وكان يقوم بزيارات مكوكية للعراق ليجمّل صورة العراق في الخارج مدفوع الثمن مسبقا. والكلام للطبيب الشاب يقول: من سوء حظى سألني بالذات: كم راتبك يا دكتور؟ تفاجأت وقلت: 26 الاف دينار. وبسرعة قسم الراتب على قيمة الدولار في ذلك الوقت، واعتقد كان 2000 دينار عراقي، وصاح يا إلهي 13 دولار!! وبسبب قولي الحقيقة عوقبت بعقوبة ادارية ونقلت الى منطقة نائية.
وعلى كل حال كان للمتقاعد الأمل الكبيربعد سقوط الصنم في 2003 في تعديل الراتب التقاعدي الضئيل. ولكن للاسف الشديد ونحن في السنة العاشرة لسقوط النظام لم نجد شيئا يذكرعدا سن قانون بائس صنّف المتقاعدين قبل السقوط وبعد السقوط، حيث يشمل المتقاعدين بعد 2003 بـ%80 من راتب اقرانه، وهو شيء جيد ولكن القانون اهمل المتقاعدين القدامى الذين تحملوا الحصار والتقشف. وسوف اقارن بالارقام راتب المتقاعد القديم البائس وراتب نائب مجلس النواب "المدلل" والذي جاء بقائمة مغلقة وبتأييد من الكتلهة التي ينتمي اليها. وهذا لا يعنى انهم كلهم سيئون، اذ ان بعضهم مخلصون للشعب خاصة ان استنكار الرواتب الفاحشة جاء من احدى الكتل المخلصة والنظيفة في المجلس.
في 2011 صدرقرار حدد فيه رواتب الرئاسات الثلاثة، وسوف استعرض راتب النائب ومخصصاته.
حُدد راتب النائب بسبعة ملايين دينار عراقي يضاف له مخصصات ثلاثة ملايين، يصبح المجموع عشرة ملايين، مدة الخدمة اربعة سنوات وهي دورهة برلمانية يحسب له %80 من العشرة ملايين، فيستلم ثمانية ملايين عن اربعة سنوات فقط. انها واالله قسمة ضيزى. ونقارن هذا الرقم الفلكي مع المتقاعد الذي قضى خمسة وعشرين عاما او ثلاثين براتب ما بين 150 الى 400 الف دينار. ونذكّر الحكومة ان تتقي الله في شعبها لان ميزانية العراق اضعاف ميزانية بعض الدول المجاورة. ثم ما الذي قدمه هذا النائب الحاضر الغائب؟ حيث لا يداوم سنتين من الاربع سنوات، وقد يقيم في عمان واذا جاء الى العراق يداوم في الكافتريا التابع للمجلس ويدخل للمجلس حسب اوامر كتلته. وبدون حسد اذا حسبنا المنافع الشخصية الاجتماعية، كالسيارات والوقود والبيوت والاثاث والسفرات والايفادات وتكاليف المرافقين والحمايات، وامتلاكه الحصانة التي تحميه من الشبهات، وكذلك الجواز الدبلوماسي له ولعائلته لمدة ثمانية سنوات. وان هذه الصرفيات تشكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة.
واخيراً استبشرنا بتماسك القوى الديمقراطية مع القوى الخيرة من الشعب في انتخابات المحافظات الاخيره للعام 2013، والنتيجة حصلت على احد عشر مقعد. وهذا يعني ظهور بريق شمعة مضيئة في نهاية النفق للتأهل في دخول مجلس النواب المقبل في عام 2014. وبذلك يمكن ايصال مطاليب المتقاعدين الى المسؤولين ويتحقق طموح هذه الشريحة المظلومة من شعبنا في حياة كريمة.