المنبرالحر

انتصار جديد للفساد ! / محمد شريف أبو ميسم

كلما أثيرت قضية فساد وتدحرجت ككرة ثلج معلنة تورط أطراف سياسية من دون كشف الأسماء ، كلما أصبح أمر اختفائها وذوبانها محتملاً كسرعة البرق، حتى فقد العراقيون الثقة بكل ما يعلن عن ملفات فساد ذات صلة بأسماء ترتبط بأحزاب وكيانات لها نفوذ على الساحة الحالية .ومنذ أن أعلن عن قضية الفساد في البنك المركزي والمتعلقة بمزاد الدولار ، والتصريحات التي انطلقت من القائمين على ملف التحقيقات في مجلس النواب ومن محافظ البنك المركزي وكالة،حتى كانت هذه الأمور أشبه بوميض البرق في لفت الانتباه وسرقة الأبصار دون كشف عن ملامح ووضوح في الرؤية ، بجانب التشويش الذي يشارك في صناعته المتورطون بقضايا الفساد بهدف ابعاد الأضواء عنهم وخلق المزيد من الشك بتصريحات القائمين على التحقيقات ، أو ربما اللجوء لصناعة الأقاويل بعد البحث عن ملفات مشابهة للقائمين على التحقيق بهدف ردعهم وتغيير مسار النتائج باتجاه التسوية على حساب الحقيقة والمال العام وعلى حساب هذا الشعب المبتلى.وكانت التصريحات والتلميحات بقضية البنك المركزي تجر الأصابع باتجاه بعض الأسماء السياسية النافذة على الرغم من التعتيم الاعلامي ، وكلما دار الحديث عن هذه القضية التي وصفها محافظ البنك المركزي بانها " أكبر ملف فساد في تاريخ العراق" يتم التكتم عن ذكر الأسماء المتورطة الى حين اكتمال التحقيق. وبقي الأمر معلقا منذ تشرين أول 2012 الى يومنا هذا بانتظار نتائج التحقيقات، فيما ضاع الموظفون الصغار العاملون بمزاد الدولار بوصفهم قرابين لأصحاب النفوذ، والتصريحات على أشدها كلما انبرى القائمون على هذا الملف أمام وسائل الاعلام ، من قبيل "ان ملف الفساد في البنك المركزي سيطيح برؤوس كثيرة" بحسب رئيس الوزراء، أو " ما حصل في مزاد المركزي أكبر سرقة لأموال العراق والشعب العراقي" بحسب المحافظ وكالة، أو " سنتصدى لكل من تورط في التلاعب بالمال العام أياً كان انتماؤه أو موقعه في الدولة " بحسب نائب رئيس مجلس النواب الدكتور قصي السهيل.إلا ان السهيل الذي كلف بمتابعة ملفات الفساد والتصدي لها من قبل مجلس النواب وبتكليف ودعم من الجهة التي يمثلها "بحسب قوله" فاجأ المراقبين وعموم العراقيين بتقديم استقالته، بعد أن كان متحمسا أشد التحمس للدفاع عن المال العام ، واصفا اياها بـ" مال الشعب وليس مال المالكي أو النجيفي ، أو الشبيبي.." على حد قوله .. مؤكدا ان الملفات الأخرى التي كلف بها ليست بحجم قضية البنك المركزي.. وكان السهيل قد أفاد في الحادي عشر من تشرين الثاني الماضي ،ان "معظم البضائع الداخلة الى العراق عن طريق تحويلات المصارف الخاصة عبر مزاد المركزي وهمية، مبينا ان اللجنة المكلفة بالتحقيق في مشكلة التلاعبات في مزاد المركزي توصلت الى قناعة بان 98بالمئة من المعاملات المالية تتم بطريقة وهمية لا وجود لها"، مشيرا الى انه "بعد توسيع العينة اتضح ان 6 الى 7 مصارف خاصة تملك شركات كواجهة لها في بغداد ودبي وعمان يتم من خلالها استيراد مواد غذائية ومواد مختلفة"، لافتا الى "وجود 7-8 شركات وهمية في دبي تختص بتحويل الاموال من العراق وارسالها الى دبي او ابوظبي وعمان".. ممتنعا في لقاء لاحق مع قناة العراقية عن ذكر الأسماء التي تطورت في هذا الملف الى حين اكتمال التحقيق.ولا تختلف ترجيحات المراقبين على ان الاستقالة جاءت على خلفية ما أفرزته التحقيقات بقضية البنك المركزي. ويبدو ان محافظ البنك المركزي الحالي الذي وجه رسالتين مهمتين إحداهما إلى رئيس البرلمان والأخرى الى الدكتور قصي السهيل اللتين دعا فيهما الى ثني الأخير عن قرار الاستقالة، بات مدركا أكثر من أي مراقب ان هذا القرار جاء على خلفية قضية الدولار، مع انه لم يشر بشكل مباشر الى ذلك واكتفى بالثناء على دور السهيل "الكبير في استقرار الاقتصاد العراقي ومكافحة مواطن وفرص الفساد والمفسدين في القطاع المصرفي".. واذا كان محقق بمثل موقع نائب رئيس البرلمان يتهرب ويتنصل من مسؤوليته أمام المافيات التي تغلغلت بجسد الجهاز المالي والنقدي .. فهل سننتظر مثلا من موظف بسيط في فريق المفتش العام أو ديوان الرقابة المالية أن يتصدى للمفسدين بحق؟