المنبرالحر

قتل المسلمين لبعضهم البعض لا لنصرة الدين ، وإنما تزاحماً على الحكم / عادل كنيهر حافظ

يبدو أن نحر آلاف البشر دونما جرم أو تجريم قانوني ، لمجرد الانتماء الطائفي ، سيضع الدين الإسلامي على أعتاب ذلك اليوم، الذي يوصفه الإمام علي كرم الله وجهه : يأتي يوم لا يبقى من الإسلام إلا أسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ، المصلون جوامعهم معمرة البنيان ، لكن قلوبهم خالية من الأيمان ، علماؤهم شر علماء ، منهم تخرج الفتن ، واليهم تعود . (1) وها نحن نشهد شيوخ الدواعش في الأزهر ، ووزارة الأوقاف المصرية وفي كثير من المؤسسات الدينية في دول الخليج وهيئة علماء المسلمين في العراق، بزعامة المستشار الديني السابق لصدام حسين ، الدكتور حارث الضاري ، وفي أفغانستان وباكستان ، وفي عموم الدول الإسلامية . والمثير في الأمر، أن اغلب الدول الإسلامية ترعى وتمول تلك الجماعات ، وفي هذا الصدد يؤكد ، الأستاذ الجامعي والكاتب المصري أحمد منصور (2) : أن الدولة المصرية تصرف الملايين على شيوخ وطلبة الأزهر ، لكنه يخرج آلاف الإرهابيين ، الذي يرتد فعلهم وبالاً على مصر وشعب . والأمثلة في هذا المجال يصعب حصرها في الآونة الأخيرة ، لكثرة وتنوع واتساع رقعة عمل المجاميع الإرهابية ، خصوصاً في الدول التي أغلب سكانها مسلمين ، الحال الذي ينذر إلى أن استمرار موجة العنف والإرهاب ، من شأنها أن تقسم الدول العربية والإسلامية إلى كيانات صغيرة ، لا تقوى حتى الدفاع عن نفسها ، مما يجعل طلبها للحماية الأجنبية ، لاسيما الأمريكية أمرٌ مُتفَهم ، وهذا ما كانت وما زالت وستظل تسعى إليه إدارة البيت الأبيض : احتلال شرعي وقانوني ، الاستيلاء على الثروات دون عناء، وأد الجهود والمشاريع الوطنية لحركة القوى اليسارية والديمقراطية في هذه البلدان ،ومنع وصول روسيا للغنيمة العربية ، وتطمين قلق إسرائيل، وبعدها تلتفت إلى ضرب الدين الإسلامي ، بعد أن انتهت صلاحيته ، كورقة رابحة أفادتها في سياستها الخارجية وتنفيذ مشاريعها ، التي تخدم مصالحا الخاصة ولا غير . وعليه يفرض الواجب الوطني والأخلاقي والديني ، على قادة البلدان الإسلامية، وعلماء الدين المخلصين وقادة الأحزاب والمنظمات الجماهيرية ، أن يقفوا وقفة شخص واحد ، ضد التطرف الديني والإرهاب الأعمى ، وأدواته الفكرية ، ومشاربه النظرية ، وجل الأمر في هذا السياق هو التأكيد على أن صراع المسلمين الأزلي فيما بينهم ، هو صراع دنيوي يتبرقع ويتمظهر بحلة وهيبة الدين ، و أن إدعاء وزعمْ كل من أطراف هذا النزاع الدامي ، أنه يقاتل لإصلاح الدين الحنيف ، من تحريف الطرف الأخر، هو زعمٌ وإدعاء كذبته حقائق التاريخ ، ولا يعدو كونه أكثر من توظيف قسري مهين لمقام وقدسية المعتقد الديني، في رجس السياسة ودهاليزها القذرة. وما تؤكده كتب التأريخ هو أن الخلاف الأساسي بعد وفاة النبي ص ، كان على من هو الأحق بالخلافة ، بمعنى إدارة الدولة ، ولم يكن خلافاً حول وحدانية ألله تعالى ، أو نبوءة رسوله الكريم ، أو في إقامة الصلاة ، وأداء الزكاة ومناسك الحج ... وتلاه الخلاف الآخر بسبب تمرد معاوية ابن أبي سفيان على خليفة الإسلام الرابع، واستئثاره بحكم ولاية الشام، وليس احتجاجاً على ترك علي أبن أبي طالب كرم الله وجهه لفريضة الصلاة ، أو تجاسرْ معاوية في منع المسلمين في الشام من أداء شعيرة الحج ، واستمرت النزاعات وتناسلت وأخذت أشكال بشعة في القتل وإزهاق الأرواح دون أدنى رحمة ، حيث قتل الأمويون ، أبناء عمومتهم من بني هاشم ومثلوا بجثثهم ، حتى وصل الأمر بقائد جيوش يزيد أن يقطع رؤوس ولدي عبد الله ابن عباس ، ويرميهما في حضن أمهما لأن أباهما لم يسلم نفسه ، حيث رأوا في أبناء علي ابن أبي طالب وذرية عبد المطلب عموماً، خطراً على دولتهم ، وليس خطراً على الدين الإسلامي الحنيف . وعين الأمر عمل العباسيين ، بأقاربهم وعمومتهم الأمويين بعد أن تسلموا الحكم ، بالرغم من تشدد وتطرف الأمويين الديني . الحال الذي مابرحت نيرانه منذٌ ذلك الحين تلتهم الضحايا من الأبرياء ، وبات في الظرف الراهن ، بعد التطور الهائل في صناعة أدوات القتل ، يمثل خطراً مرعباً يهدد مصير الشعوب ، وينذر بتقسيم الأوطان ، خصوصاً بعد أن رعته وطورته مخابرات الدول الرأسمالية الكبرى ، وجعلته يستهدف الإسلام الراهن ، كمؤسسات ودول إسلامية ، تحت حجة أنه إسلام منحرف ، لا يماثل دولة الرسول الأعظم ودول الخلافات الراشدة ...... واستخدمته في سياستها الدولية ، حيث تجلى هذا الأمر خراباً ودماراً لبعض البلدان الإسلامية ، وقتلاً بالمجان وتهجيراً وسبي النساء وقتل الأطفال دون وازع من ضمير ، كل تلك الموبقات وغيرها ، جرى تنفيذها بحق مئات آلاف البشر واغلبهم مسلمين، من أجل مثلاً : تنصيب إبراهيم عواد البكري من سامراء حاكم على العراق ، بدلاً عن نوري كامل محمد المالكي من الحلة ، ولو وضعنا سيرة حياة الرجلين جانباً ، وعاينا في المقاربات الأخرى ، سنجد الاثنين ينتمون إلى العراق وتراثه، وإلى القومية العربية ، ويتحدثون ذات اللغة ، ويعتنقون نفس الدين ، ويوحدون الله جله وعلى ، ويؤمنون بنبوة رسول الإسلام محمد ص ، ويقيمون الصلاة ويؤمنون بأركان الإسلام الأخرى من صوم وزكاة وخمس وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً . وهنا لا يتمكن أحداً أن يجد ثمة خلاف في الدين ، ولكن الحجة التي تستخدم كحصان طروادة للوصول إلى السلطة والحكم هي: كيفية تطبيق الدين ، وهي حجة الخوارج المشهورة ، ضد خليفة الإسلام والمسلمين . لذلك خصوصاً بالنسبة للعراقيين ، ضرورة حشد وتكاتف قوى الدولة والمجتمع ، من أجل محاربة طاعون الإرهاب وبشتى السبل والوسائل المتاحة ، لاسيما تفعيل وتنشيط جهاز الإعلام بكل أدواته ، للعمل الجاد في فضح مرامي العصابات المجرمة للوصول للحكم بدعوى زائفة لنصرة الدين الحنيف .

1- نهج البلاغة ص181

2- الحوار المتمدن العدد 4341