المنبرالحر

الى متى تبقى الخيانة تقاتل الشرف ؟/ كاظم السيد علي

لا يختلف اثنان على ما قاله المفكر الشهيد عزيز السيد جاسم في مقولته القيمة التي جاء فيها : " منذ القدم ، كان معروفا ، إن التفاهة تخشى الرجاحة ، وأن التخلف يقاوم التقدم ، وإن الدونية تتطاول على العبقرية، وإن الخيانة تقاتل الشرف ، وإن السوء يمكر بالحق " ولهذا أطفؤوا جذوة الحياة في أعماقه ، لأنه اسم وعلم ومفكر حمل بيده الرجاحة والتقدم والعبقرية والشرف والسلام والمحبة .. وبيده الأخرى قلم يقطر من لبه فكر نير ويزهو إصرارا في إشاعة ثقافة تنويرية تقف بالضد من ثقافة العنف والظلام ، كل هذا أغاض عشاق التخلف والكراهية أعداء الحياة والإنسانية ولهذا استهدف واشتد التآمر عليه بشكل خاص من قبل القتلة المجرمين ، لأنه بلغ مستوى وعي الذاتي وإدراك الهوية الوطنية .. مما جعله قادر على الانبعاث من جديد والنهوض بالثقافة العراقية إلى مستوى العطاء الحضاري والمساهمة في بناء المجتمع وبما يحقق سعادته وخيره ، لقد كانت طموحاته كبيرة بحجم انتمائه لوطنه وحبه لشعبه وحزبه ، ولديه مشاريع ثقافية كثيرة كان يريد تنفيذها مستقبلا ليضيف مجدا لمجده الثقافي والسياسي ومن ذلك الكم الهائل من النتاج الثقافي ، الذي ترك أثرا كبيرا في قلوبنا ، حيث كان يعد العدة لمشروعه الوطني لبناء ثقافة وطنية ديمقراطية إنسانية واسعة الآفاق ، هكذا كان أبو إلياس .. كان إنسانا ومناضلا ، مسكونا بالمبادئ والسياسة والثقافة ، هجر المنافي والعائلة والابن ، واختار الكفاح من اجل الحرية ، كان يتنقل من مكان إلى مكان بين الوزارة كمستشار وهيئة تحرير الثقافة الجديدة ، يعمل بنكران ذات ، كتلة من النشاط والحركة ، لا يهدأ أبدا واضعا نصب أعينه إنجاز مشروعه متحديا الإرهاب والعبوات والتفخيخ حاملا على ظهره هموم شعبه بكل محبة وإخلاص ٍ ، ليخلق عالما جديدا ً في الثقافة بعيدا عن ثقافة العنف والتخريب والطائفية والانعزالية ، ذلك يدل دون شك على ثقافته الواسعة وقدرته على تطويع وتأجيج الرؤى والأفكار والأحداث، كان يحاول أن يسبق ذاته ، وان يخلق مشروعا خاصا بالمثقفين العراقيين بكافة أطيافهم وانتماءاتهم الفكرية ، ويحافظ على هويتهم الوطنية ، لم يكن يفكر بمصلحة شخصية أنانية وحقق ذلك فعلا بجهوده وجهود زملائه من المثقفين الديمقراطيين لما قدموه من عطاء ، من اجل إحقاق المسار الصحيح للثقافة ، الذي عشقها وضحى واستشهد من أجلها ، ويشهد له بذلك القاصي والداني ، كان بحق مشروعا وطنيا ديمقراطيا إنسانيا واسع المدارات ، هكذا كان حال الرفيق والصديق كامل شياع .. لكن !! الذئاب المتوحشة القادمة من كهوف الظلام والتخلف والجهل يريدون العودة بالوطن إلى القرون الوسطى كانت تحيط به من كل جانب لتعطل مشاريعه الثقافية وطموحاته الكبيرة التي تعيد للثقافة وجهها الحقيقي وتفعيل دورها الوطني والإنساني في إطار الدولة لكي ترسم مستقبلها وإعادة بناء مؤسسا تها ..
ويا للخسة ..!! فعلو فعلتهم في ذلك اليوم المأساوي فسكت قلب قديس الثقافة بطلقات كاتمهم حتى لا يستمر في تهجده بمحراب الثقافة الديمقراطية التقدمية ، وإيقاف التواصل بالمشروع العراقي الوطني الذي خطط له ، ولكن نقول فليخسئوا .. فالمشروع لن يتوقف ، فمازال هناك الكثير من رفاق دربه وأصدقائه ، وبتوحيد كل الجهود الثقافية ممن يسير على الدرب لتحقيق ذلك الطموح والآمال ، كما كان لكامل شياع طموحاته وآماله في مشروعه الذي أراد به جمع شمل المثقفين العراقيين في سبيل إعلاء وتقدم الثقافة ، وإذا كان رحيل الشهيد كامل شياع رحيلا فاجعا ً ومؤلما ً فإنه في الوقت نفسه تعرضت الثقافة لخسارة كبرى لا تعوض ، فهذا الرجل المعطاء والواضح والأصيل والمثقف الطيب لم يقف عند حد معين بل كان له باع طويل في ميدان الثقافة منذ اليوم الذي تولى فيها عدة مناصب حيث شغل منصب مدير عام في دائرة العلاقات الثقافية ودائرة الشؤون الثقافية العامة وآخرها مستشارا للثقافة ، فعلى يده تم إنجاز أفضل المشاريع الفنية والثقافية ، من اجل تقدم الوطن في ميادين الحضارة المبنية على الخير والمحبة والسلام والإنسانية .
لا ندري إلى متى يبقى الموت يلاحق المبدعين على أيادي الغدر والرذيلة ؟
والى متى يبقى التخلف يقاوم التقدم لإغراق العراق في بركة الظلام ؟
والى متى تبقى الخيانة تقاتل الشرف ؟
والى متى يبقى العراق على حد قول الشهيد كامل شياع :( منجرف بتيار اللاوعي السابح فوق حركة التاريخ وأحواله المتقلبة ، محرضا ولاءات " طبيعية " تستثمرها أحزاب وحركات وتكتلات سياسية محولة التضامن إلى أرضية للنزاع )