المنبرالحر

فيدرالية بايدن المفخخة/ خضر عواد الخزاعي

يبدو أن دور الإدارة الأمريكية الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط قد أخذ يتحول بالتدريج إلى دور المتفرج الذي أدخل المنطقة في دوامة من الحروب المحلية الطاحنة بعد أن أنهى مهمته الرئيسية في المشاركة في إسقاط النظم الدكاتورية فيها والمثال الواضح على ذلك ما يحدث اليوم في ليبيا حيث تقف أمريكا وأوربا بالحياد وهي تنظر إلى أصدقائها وحلفائها الذين ساعدوها على إسقاط نظام العقيد القذافي وهم يتقاتلون فيما بينهم للسيطرة على ثروات البلاد من حقول آبار النفط والغاز إلى الموانيء والمطارات في حرب أهلية طاحنة أدخلت البلاد في دوامة من الصراعات بين جماعات مسلحة كل واحدة منها يسعى لفرض رؤيته في شكل النظام الذي يراه مناسباً لحكم البلاد وفي سوريا يتكرر نفس السيناريو الدموي بعد أن عجزت الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها الأوربيون والإقليميون من الأطاحة بالنظام الرئيس السوري بشار الأسد فاكتفت بتدمير سوريا وتحويلها إلى ساحة صراع عنيف بين الجماعات المسلحة التي هي في أغلبها خليط غير متجانس من المرتزقة الذين زج بهم من مختلف بقاع الأرض ليؤدوا المهمة بالنيابة عن أمريكا ولسببين مهمين :
أولاً : خلق ساحة صراع جديدة بعيدة عن أرض الولايات المتحدة وأصدقائها في أوربا لكل المعادين للسياسة الأمريكية أينما كانو سواءاً في أمريكا نفسها أو في أوربا من الشباب العرب أو المسلمين حاملي الجنسية الأمريكية والأوربية .
وثانياً : إضعاف النظام السوري الذي كان يقف بالضد من كل مشاريع التسوية التي ترعاها أمريكا وبعض أنظمة الخليج العربي بالإضافة إلى تشكيله مع إيران وحزب الله في لبنان محورا ممانعا قويا يخيف أصدقاء أمريكا بالمنطقة مثل دول الخليج .
في العراق موضوع البحث تبدو الصورة أكثر وضوحاً فبعد الذي حدث في شمال العراق وخصوصاً في محافظة نينوى بعد أحداث العاشر من حزيران 2014 وتعرض المدينة للإستباحة بعد السيطرة عليها من قبل الجماعات المسلحة فيما عرف بدولة العراق والشام الإسلامي ( داعش ) والزحف على أكثر من محافظة ومدينة واصبحت معظم مدن العراق مهددة بسسب ما حدث من صدمة أفقدت الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية عملية استجماع قواها والرد بصورة سريعة وحاسمة وكان من المنتظر أن تقوم أمريكا وتنفيذا للإتفاق الأمني الموقع بينها وبين الحكومة العراقية في العام 2008 بالمبادرة لإرسال الطائرات والسلاح والمعدات اللازمة لصد هجمات داعش أو إذا تطلب الأمر أن تقوم بإرسال بعض وحداتها العسكرية القتالية أو استخدام السلاح الجوي للقيام بهجمات جوية لدعم تحركات القوات العراقية في أرض المعركة لكن كل ذلك لم يحدث واكتفى الرئيس أاوباما في أول تصريح له في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض بإلقاء اللوم على المكون السني واتهمه أنه ( خلال السنوات الماضية لم يكن متعاوناً مع الحكومات المتعاقبة ) وإن أمن العراق جزء مهم من الأمن القومي الإسترتيجي الأمريكي وأن كل الخيارات مفتوحة أمامه وانه سيختار ما يجده مناسباً منها وتم إرسال بعض الخبراء العسكرين لمعاينة الواقع عن قرب وتقديم الخيارات المناسبة للعمل بالعراق .
وحينما كان العالم يشاهد من خلال الفضائيات الإعلامية تهجير ونزوح عشرات الالاف من المكونات العراقية في الموصل وخصوصاً المسيحيين ومصادرة بيوتهم وأملاكهم وقتل العديد منهم اكتفت الإدارة الأمريكية ممثلة بالرئيس أوباما بالتصريح بأن مساعدتها للعراق في حربه ضد الإرهاب ستكون مرهونة بتعاون الأحزاب العراقية لتشكيل حكومة شاملة وهو تصريح يدعو إلى السخرية لأن شكل الحكومتين السابقتين في العراق كان شعارهما والمنهج الذي قامتا عليه كان هو نفسه حكومة (المشاركة الوطنية) ويبدو أن الإدارة الامريكية كانت تماطل في إبداء وجهة نظرها في انتظار دخول العراق في معترك الحرب الأهلية حتى تكون في منأى عن أي تدخل عسكري لحسم الأمور لهذا الطرف أو ذاك وإدخال العراق بنفس معترك الدوامة السورية وحين بدأت الأوضاع الميدانية تستقر في شمال العراق وغربه بين الحكومة والجماعات المسلحة في وضع رتيب من المناوشات والهجمات المتقابلة عاد الرئيس أوباما ليحمل الحكومة العراقية سبب معاناة الأقلية السنية على حد تعبيره ورفضها التعاون مع الحكومة المركزية في بغداد وأصرت على أن لاتقوم بتقديم أي دعم عسكري قبل تشكيل الحكومة الجديدة بل أنها قامت بتأخير تنفيذ بعض فقرات الإتفاقية الأمنية التي كانت تلزمها إرسال بعض الطائرات المقاتلة من صفقة شراء الطائرات الأمريكية بحجة عدم استقرار الاوضاع الأمنية في العراق .
وفي تحول خطير لمجرى الأحداث في العراق وبعد أن يأس تنظيم ( داعش ) من تحقيق انتصار حاسم في جبهات القتال في صلاح الدين وكركوك والأنبار اتجه بعملياته العسكرية شمالاً صوب سهل نينوى حيث المكونات العرقية والدينية الأخرى مثل المسيح والشبك والتركمان والأيزيديين في الحمدانية وربيعة وسنجار وتلعفر وكذلك في الطوز وتازة وآمرلي وقامت باستباحة تلك القرى والبلدات وتدميرها وقتل سكانها ولم يكتفوا بذلك بل قاموا باسترقاق النساء والإعتداء عليهن ومن ثم بيعهن في أسواق النخاسة في الموصل وسوريا وبعض الدول المجاورة للعراق كل ذلك لم يحرك في الإدارة الأمريكية من ساكن وبقيت مواقفها الضبابية كما هي مجرد تصريحات واتهامات ودعوات مستمرة لتشكيل الحكومة الجديدة ولم نعد نسمع شيئاً عن حقوق الإنسان التي طالما كانت تتشدق بها الولايات المتحدة الأمريكة والإتحاد الأوربي حتى بعد تهجير مايقارب المليون ونصف المليون عراقي من بيوتهم ومدنهم وتعرض دور العبادة إلى التدمير والمحو كما حدث لمراقد الأنبياء يونس ودانيال وشيت وكذلك للكثير من الكنائس التاريخية للمسيحيين ويبدو أن أوربا وأمريكا تنظر إلى مسيحي العراق نظرة متمايزة تختلف عن نظرتهم إلى باقي مسيحي العالم وكذلك بالنسبة لمكونات هذا البلد الحضاري من مختلف أثنياته وعناصره التي ساهمت وعبر مراحل تاريخية طويلة في إثراء الجوانب الحضارية والمجتمعية للعراق والعالم .
لكن حين اقترب خطر هذه الجماعات المسلحة التكفيرية من حدود إقليم كردستان وصار يهدد مركز محافظة أربيل ودهوك وأصبحت هذا المدن تحت مرمى مدفعية تنظيم (داعش) وبالتالي يهدد المصالح الأمريكية والأوربية في كردستان حينها تحركت أمريكا وحلفاؤها الأوربيون حيث قامت بإرسال بعض الطائرات المقاتلة لتضرب بعض مواقع تلك الجماعات وإلقاء بعض المساعدات الإنسانية على تجمعات النازحين الهاربين من بطش التنظيمات المسلحة على جبال سنجار .
إن هذه المحاولة البائسة من قبل أمريكا وحلفائها لم تكن الغاية منها سوى ذر الرماد بالعيون لتوهم العالم واصدقائها والقائمين على العملية السياسية بالعراق أنها مازالت تحتفظ ببعض المصالح المهمة وأن علاقتها بالعراق مازالت علاقة استراتيجية لكن الواقع يبدو عكس ذلك .
أن الحقيقة التي لا تريد أن تصرح بها الإدارة الأمريكية الحالية هي أنها نفضت أيديها عن كل ما يحدث بالعالم وليس العراق وحده وهذا واضح للعيان وفي مبادرة ( مؤامرة) أمريكية ليست بالجديدة على العراقيين يأتي نائب الرئيس جو بايدن إلى بغداد ليطرح مشروعه القديم الجديد ( تقسيم العراق) لكن بطريقة أكثر حضارية تحت عنوان ( الفيدرالية ) إلى ثلاث مناطق ( كردية وسنية وشيعية ) تتمتع كل منها بحكم ذاتي ليعيد إنتاج مشروعه التقسيمي بنفس الصيغ القديمة المستهلكة حيث سبق لنائب الرئيس الأمريكي بايدن أن طرح هذا المشروع في العام 2007 حينما كان سيناتوراً عن الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل أن يرشحه الرئيس أوباما نائباً له في انتخابات العام 2008 حيث قدم هذا المشروع حينها مع لزلي جليب الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية CFR ولقي المشروع حينها رفضاً كبيراً ليس في الأوساط السياسية والنخبوية والشعبية العراقية بل في الإدارة الأمريكية نفسها التي وجدت فيه مشروع غير أخلاقي سيقوم على إثارة الفتن بالإضافة إلا انه سيعزز من الدور الإيراني في المنطقة وإذا كان العراق قد رفض هذا المشروع في ذلك الوقت حيث كانت أوضاع العراق حينها بالمقارنة مع أوضاعه اليوم تبدو بصورة أفضل فكيف سيتقبل هذا المشروع وهو يعيش محنة أحداث ما بعد 10 حزيران 2014 في الموصل حيث أزمة النازحين واقتطاع أجزاء مهمة من أرضه من قبل المسلحين .
فالفيدرالية كما هو معروف شكل من أشكال الحكم تكون السلطات الدستورية فيه مقسمة بين الحكومة المركزية ووحدات حكومية أصغر ( الأقاليم أو الولايات ) تقوم على مبدأ التعايش السلمي وتوفير المناخات الملائمة للعيش الكريم لمكونات مختلفة في الدين والعرق والطائفة في ظروف طبيعية تختارها هي وليست بالطريقة التي يريدها بايدن اليوم فهناك اليوم في العالم الكثير من دول العالم تحكم بشكل فيدرالي سلمي كالولايات المتحدة الامريكية وكندا وسويسرا والإمارات العربية المتحدة واستراليا والنمسا وبلجيكا وغيرها الكثير من دول العالم لكن الصورة تختلف في العراق الذي استطاعت مكوناته المتنوعة عرقياً ودينياً واثنياً من التعايش الحضاري وخلق نموذج إنساني في إقامة مشروع الدولة خلال ما يقارب 7000 سنة من تاريخه الوطني أما اليوم فأن العراق يعيش حالة مختلفة بعد إسقاط النظام السابق في 2003 والتأسيس لعراق ديمقراطي واجه منذ البداية مشاكل خطيرة هددت كيان الدولة وهويتها وكان أخطر هذه المشاكل هو ظهور تنظيم ( داعش ) الذي اعلن بصراحة مشروعه التدميري لأسقاط الدولة العراقية والسعي لإقامة مشروع الخلافة الإسلامية على انقاض هذه الدولة وإذا وجد هذا المشروع اليوم بعض التأييد له من بعض الأحزاب ووسائل الأعلام المشبوهة فإن ذلك لا يعني إمكانية تطبيقة أو حتى قبوله في الوضع الراهن لأن النظام الفيدرالي لا يقوم ولا يفرض بقوة السلاح من قبل قوى وجماعات إرهابية طارئة حتى وان كان يحقق بعض من المصالح المناطقية والحزبية لهذه الطائفة أو تلك وبراعية أمريكية .