المنبرالحر

اللصوص في العراق / د. مؤيد عبد الستار

كان العراق في العهد الملكي يعاني من مشكلة الفساد ، ولكنها كانت محدودة جدا ، وكان اغلب المتهمين به هم جهاز الشرطة، حتى شاعت مقولة شعبية تشبه الاغنية التي يتغنى بها الناس : عبر واشرك للشرطي ، اي ادفع للشرطي رشوته التي يطلبها وكانت مبلغا متفقا عليه ومقداره 50 فلسا ، وكان يسمى درهما .
ولا ننسى ان الفساد كان شائعا جدا في العهد العثماني الذي اخضع العراق للخلافة العثمانية التي طالت عشرات السنين ، فعم الفساد بنية المجتمع ، ومن طرائف تلك المرحلة وسقوطها ان احد الولاة في العراق الذي كان مقسما الى عدة ولايات كان يستحصل الاتاوات من المواطنين والتجار، ولكن بعد انتصار البريطانيين على العثمانين وتفكك الولايات وهرب الولاة ، اضطر الوالي الهارب الى ركوب سيارة لتقله الى بغداد من احدى المحافظات الوسطى ، فجاءه الدلال وكان يدعى كلكول ، طلب منه اجرة ركوب السيارة ، فتعجب الوالي وضرب على رأسه بجمع كفه وقال بلهجته التركية / العربية : طاح حظك والي ، كلكول ياخذ منك خاوة ... اي تعسا لك ايها الوالي .. الدلال كلكول ياخذ منك الاتاوة ، فقد كان طوال عهده لا يدفع فلسا لاحد بل على العكس ، هو الذي يأخذ ويسرق ويستولي على اموال الناس . واليوم ياتي شخص تافه مثل كلكول ياخذ منه اجرة ركوب السيارة .
اما الانجليز الذين احتلو العراق واقاموا دولة ملكية دستورية فيه عام 1921 كانوا يأملون ان يصنعوا بلدا نموذجيا في المنطقة ، فاعدوا دستورا للدولة وعلما ونشيدا وجاءوا بملك من العربية السعودية يقدس اهل العراق قبيلته الهاشمية ، ووضعوا نظاما للتعليم وعملوا على بناء شبكة مياه وكهرباء ومواصلات .. الخ وشكلوا اول فيلق للجيش ، فكان فيلقا نزيها لا يرتشي، على عكس جهاز الشرطة الذي قام على انقاض الشرطة والادارة العثمانية ، التي كانت تدين بدين الرشوة ، اعتمادا على خلافة ال عثمان التي صدعوا رؤوسنا بنسبها الى الخليفة الثالث عثمان بن عفان زورا وبهتانا.
خلال العهد الملكي شهد العراق رغم قلة موارده والتخلف والجهل وشيوع الخرافات النهوض بمهام جديرة بالتقدير مثل حصوله على الاستقلال ، وتحرره فيما بعد من النفوذ البريطاني عام 1958 بواسطة الضباط الاحرار وثورة الرابع عشر من تموز ، التي ضربت مثالا في النزاهة ونظافة اليد على الاخص زعيمها عبد الكريم قاسم وطاقمه العسكري والمدني الذي حكم العراق خلال السنوات 1958 – 1963 ،حتى يوم استشهاده برصاص اللصوص والعصابات البعثية .
بعد ذلك شاعت اللصوصية والسرقات والفساد وعادت حليمة الى عادتها القديمة ، اذ تفشت الرشوة واخذت الحكومة تسرق اموال النفط المباع رخيصا للشركات الاجنبية ، وشاع الفقر بين المواطنين وانتشر العنف والارهاب الذي بدأت بممارسته عصابات الحرس القومي الذي تشكل من عصابات سقط المتاع باسم حزب البعث .
منذ ذلك اليوم وحتى سقوط صدام في حفرة العار التي استخرجه منها الامريكان كان المواطن والوطن نهبا لعصابات البعث الشريرة ، فتركوا العراق ارضا يبابا ، تشيع في اوصاله اسباب الخراب والموت والدمار .
بعد ان تخلص الشعب من عصابة صدام ، استبشر خيرا بالنظام الجديد الذي ساهمت امريكا في ارساء اسسه ، وظن المواطن ان العقل الامريكي سيصنع نظاما نظيفا ، لا يعرف الفساد والرشوة لانه حصيلة نظام عالمي متطور متقدم يحكم العالم بقيمه الحديثة التي شاهدها في الاعلام والسينما والقنوات الفضائية .. ابتداء من ابراهام لنكولن حتى مايكل جاكسن واوباما ومادونا ، ولكن الناتج كان مخيبا للامال ، فالحكومة التي ساهم الامريكان في صنعها كانت وليدا مشوها ، تشوه وجهه بثور الفساد والرشوة والسرقة ، والخيبة الاكبر كانت في احتماء السراق ببلاد العم سام والعم ابو ناجي ..... وتلك هي الطامة الكبرى .
وان كان عتب المواطن العراقي على امريكا وبريطانيا في تشجيع المفسدين وتسليم حكومة العراق للفاسدين ، فالعجب العجاب الذي يرتسم على وجه المواطن العراقي هو ارتباط الفساد والمفسدين والمرتشين واللصوص بالاسلام ، فاغلب السراق والمرتشين هم من حملة خواتم الاسلام الاربعة ، واصحاب الجباه الموسومة بعلامة الصلاة ، ومن اتباع المرجعيات الدينية المعروفة في العراق من شهداء مثل الصدر الاول والثاني والحكيم والخالصي والطباطبائي وغيرهم ، فما الذي يدعو مثل هؤلاء الى السرقة والارتشاء والاحتيال ، ومن يشجعهم على السرقة ويتقاسم معهم الاموال المسروقة من بيت المال العراقي ؟ ألم يكن الامام علي عليه السلام يوزع بيت المال على المستحقين حتى يكنسه كنسا كي لا يبقى فيه ما يسرق !
فلماذا يسرق اتباعه او من يدعي انهم من اتباع امام المتقين، المال والمتاع والبيوت والضياع !
ثم الا يدعي المسلمون ان النبي محمد كان الصادق الامين ، وهو الذي ائتمنته السيدة خديجة على اموالها في تجارتها فلم يسرقها ولذلك تزوجته ! فلماذا يسرق اتباعه من المسلمين الذين يدعون انهم سادة ينتسبون الى بيت النبوة وانهم من بني هاشم ومن سادة قريش !!!
اعتقد ان الامر ينحصر بشيئين لا ثالث لهما ، فاما ان هؤلاء يكذبون علينا بادعائهم بالاسلام والصلة باهل البيت ، او ان الاسلام واهل البيت يشجعون على السرقة والرشوة والفساد - العياذ بالله - وهذا محال .