المنبرالحر

الغموض سياسة الفاسدين والفاشلين / مرتضى عبد الحميد

كثيراً ما نسمع مسؤولين عراقيين وهم يتحدثون عن الشفافية، وضرورة مصارحة الشعب بكل المشاكل والصعوبات في إدارة الدولة وفي المجتمع، وبعضهم لا يتردد في رفع عقيرته قائلاً امام مايكرفونات وشاشات الفضائيات، بأن لا إسرار بين المواطن والمسؤول، فكل شيء مباح وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار كما يقول المثل الشعبي. لكن حقيقة الأمر تتوسد الضفة الأخرى من بحر الخداع والتزييف الذي يمارسونه، بسهولة واستخفاف بعقول الناس، كما لو أن الناس أطفال صغار، أو متخلفون عقلياًّ! ولا يستحي الكثير منهم إن تناقض في حديثه عشر مرات، أو كانت كذبته مفضوحة والسبب بيّنُ كما نرى. فهؤلاء المسؤولون لا تهمهم من قريب ولا من بعيد مصلحة الشعب، ولا مصلحة من انتخبهم وأوصلهم إلى مواقع المسؤولية، بل ولا تهمهم مصلحة طائفتهم أو قوميتهم أو عشيرتهم، رغم ادعائهم بتمثيلها، والدفاع عن مصالحها. فالأثرة والأنانية ومصلحة الذات، قد وجدت الطريق معبداً إلى كل زاوية من زوايا عقولهم المريضة، وضمائرهم الفاسدة، بحيث لم تعد تستفز مشاعرهم حتى دماء الأبرياء، وآلاف الضحايا الذين يسقطون يومياً بتفجيرات الإرهابيين القتلة. ولا يهمهم ان ضاع العراق، وجرى تقسيمه، بفضل السياسات الإجرامية التي طبقت في العراق طيلة السنوات العشر الفار?ة وما قبلها. هذه السياسة التي أنتجت لنا اخيراً «داعش» وغيرها من المنظمات التكفيرية الإرهابية وأنواع المليشيات، وجعلت من العراقيين لاجئين في بلدهم.
أن الغموض والتدليس، والقناعة الراسخة لدى هذا الطيف من المسؤولين، بأن ذاكرة العراقيين مثقوبة، وما يدخلها نهاراً يمكن محوه ليلاً، هو ما يدفعهم إلى هذا السلوك المشين، والى ابتكار أساليب جديدة من الكذب والرياء، وإخفاء حتى المعلومات البسيطة، التي يفترض أن يعرفها ويطلع عليها، أبناء شعبنا المنكوب بهم.
هناك العشرات، بل المئات من القضايا التي أثارت اهتمام القاصي والداني، مرت مرور الكرام، ولم يعرف احد عنها شيئاً، رغم تشكيل آلاف اللجان التحقيقية، والوعود المقرونة بأغلظ الإيمان، بأنها ستعلن نتائج تحقيقها خلال بضعة أيام. لكن الأيام تمضي وتجرّ وراءها الشهور والسنوات، دون أن يسمع احد عنها شيئاً، بدءاً من لغز الكهرباء والمشاريع الوهمية الكثيرة، وأنواع الخدمات التي وعدوا الناس بها، إلى العمليات الإجرامية سيما ذات البعد الطائفي التي يراد منها إشعال الفتنة، وإذكاء الحرب الطائفية، كما جرى في الجريمتين المروعتين الأخيرتين في قاعدة «سبايكر» وجامع «مصعب بن عمير» اللتين لم تعرف حقيقة ما جرى فيهما لحد الان، ولا من قام بهما، وبالتالي سيفلت المجرمون من العقاب مجدداً، وسيظل الفاشلون والمتواطئون في مناصبهم، ليكرروا ذات التجربة المريرة.
ومع ذلك، لا بد من إبقاء جذوة الأمل متقدة، وبان الحكومة الجديدة ستنتهج نهجاً اخر، يطلّقُ بالثلاث، الممارسات الكارثية السابقة، ويعلي من شأن المكاشفة والشفافية ومصارحة الناس بكل شيء.
فهل يتحقق هذا المطلب المتواضع؟