المنبرالحر

آمرلي أعادت الكرامة للعراقيين / مرتضى عبد الحميد

انثلمت كرامة العراقيين، وبشكل خاص القوات الأمنية والعسكرية، بعد الانهيار الأمني في الموصل وبقية المحافظات والمدن العراقية، في هزيمة مذلة أمام شذاذ الأفاق من عصابات»داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى، وكل المعادين للعملية الديمقراطية.
كان المثل يضرب بأعتزاز العراقيين وشجاعتهم، وارتفاع منسوب الكرامة والعزة لديهم، وكذلك بالجيش العراقي باعتباره المؤسسة الوطنية التي جمعت أبناء هذا الشعب بدون تمييز طائفي، أو ديني، أو قومي، لأنه جيش كل العراقيين وحامي حماهم، والذائد عن حياض وطنهم. لكن معاول التهديم لهذا الصرح، رفعها اولاً المقبور صدام حسين وزبانيته، ثم واصلها المحتلون، ومن وجدوا أنفسهم على حين غرة، في قمة السلطة بدون وجه حق، واستطاعوا مجتمعين أن يجهضوا حلم العراقيين الشرفاء، في أن يروا جيشهم وقواتهم المسلحة، وقد استردت عافيتها، وأصبحت قادرة ?لى كيل الصاع صاعين لكل من تسول له نفسه الاعتداء على حدود العراق وحرماته.
بيد أن هذا لم يحصل، ووجدنا أنفسنا محاصرين من جميع الجهات، فالممسكون بزمام السلطة على طريقة (أعمى وجلّب بشباج الكاظم) حطموا آخر ما تبقى من القيم الجميلة والنبيلة التي عرف بها الشعب العراقي، وأحالوا وحدته الوطنية الى هباء منثور، باصرارهم المرضي على ممارسة الطائفية السياسية، مع نقص خطير في الكفاءة، وضحالة الإمكانيات الذاتية.
وبطبيعة الحال انسحب هذا السلوك المشين على القوات المسلحة، التي شكلت هي الأخرى على أساس المحاصصة الطائفية- الاثنية، فضعفت كفاءتها وهزل أداؤها، واستبدلت عقيدتها الوطنية بولاءات فرعية للطائفة، أو للقومية، أو للحزب، أو للفرد، وهذا هو السبب الرئيسي للانهيار الأمني والعسكري في الموصل وغيرها من مدننا العزيزة.
لكن تجارب التاريخ القديم والحديث أثبتت أن الأصالة والاعتداد بالنفس، والشعور الوطني، التي ميزت العراقيين خلال الفترات السابقة، مازالت باقية، كالنار تحت الرماد، وكل ما تحتاجه هو النفخ فيها، لتعود جمراتها إلى الاشتعال، وهو ماقامت به جماهير «امرلي» البطلة، هذه المدينة الصغيرة التي اجترحت مأثرة سيخلدها التاريخ على مر الأزمان. عندما استطاعت بسكانها العشرين الفاً، مقاومة غربان «داعش» والصمود في وجوههم، والمحافظة على شرفهم وشرف مدينتهم لفترة تزيد على الثمانين يوماً.
وكم كان المشهد مؤثراً والفرحة كبيرة، بحيث استدرت دموع المآقي، وأجبرت الأمل على الخروج من عزلته، ليرفرف بجناحيه، ويظلل النفوس الكليمة، والمسلوبة الإرادة، وذلك عندما شاهدنا عجائز «امرلي» وهن يحملن السلاح ويملأن السواتر، مع الأطفال بسن السابعة والثامنة، وهم يحملون السلاح أيضا، جنباً إلى جنب آبائهم وإخوانهم، دفاعاً عن مدينتهم الباسلة وأهلها الشجعان.
أنها بطولة من نوع خاص أعادت إلى العراقيين جميعاً كرامتهم الوطنية والشخصية وكللت هاماتهم بالزهو والافتخار، الأمر الذي يتطلب من المسؤولين أخذ العبرة وهذا الدرس الثمين في التخلص من الهوس الجنوني بالسلطة، ومن الصراعات العبثية على المناصب والكراسي، ومن اجل إعادة بناء القوات المسلحة على أساس الكفاءة والنزاهة والوطنية، وتطهيرها من المندسين والمتخاذلين والطائفيين.
تحية الحب والاعتزاز، والفخر بكم يا أبناء «آمرلي» الصامدة.