المنبرالحر

الكليات الاهلية.. منفعة أم مضرة للتعليم العالي؟ / أ . د. محمد الربيعي

اليوم علينا ان ندرك خطورة تفريخ الكليات الاهلية وتأسيسها من قبل كل من هب ودب من السياسيين والمليونيريين الجدد، وأصبح الصمت عن اضرارها للتعليم العالي تخليا عن المبادئ الاساسية التي آمنتُ بها واقتنعتُ بها، وطرحتها في كل مناسبة بدافع اصلاح وتطوير منظومة التعليم العالي، خصوصا ونحن نجتاز في الوقت الحاضر مرحلة حاسمة ودقيقة من تاريخنا المعاصر ضد التحديات والمعوقات التي تعترض مسار الجامعات العراقية وصولا الى ما تستحقه من تقدم ورقي.
اصبح انشاء الكليات الاهلية احد الوسائل لنشر التعليم العالي وتوسيعه في المجتمع العراقي على ضوء استراتيجية التربية والتعليم العالي في توسيع التعليم، ويتم تشجيع هذا النوع من التعليم على الصعيد الحكومي استنادا على فلسفة تنطلق من مبدأ التكامل بين التعليم الرسمي والتعليم الاهلي واعتبار الاخير احد الروافد المتممة او المكملة للتعليم الجامعي الحكومي (مصدر 1)، لذا بلغت في عام 2013 نسبة الطلبة في الدراسات الاولية للكليات الاهلية حوالي 20بالمئة من مجموع الطلبة الاجمالي فضلا عن استمرار ازدياد ارتفاع عدد الطلبة الملتحقين فيها وبمعدل 135بالمئة في الفترة من 2009 الى 2013. ويعتقد ان تشجيع التعليم الاهلي جاء استجابة للافتراض بان التعليم العالي يمكنه ان يستقطب اعداداً من شباب غير محصنين لابعادهم عن تأثير القوى الارهابية وعن الانحراف بالرغم من عدم وجود اية ادلة او دراسة تؤكد هذا الافتراض، وبالرغم من وجود ادلة معاكسة تثبت وجود ارهابيين ومنحرفين من الطلبة ومن حملة الشهادات العليا ومن كل انحاء العالم، هذا علما ان اربع سنوات من عمر الانسان غير كافية لتحصينه ضد الانحراف والخطيئة. مشكلات التعليم الاهلي كثيرة وهي لا تقتصر على العراق وانما تتجاوزه الى الدول العربية الاخرى لذا اصبح التصدي لهذه المشكلات جزءا من عملية اصلاح التعليم العالي عبر تشخيص مفاصل الضعف في هذا القطاع والاستعانة بالاساليب الحديثة والوسائل الكفيلة بما يمّكنه من لعب دور ايجابي في تخريج عناصر نافعة ومنتجة للمجتمع. معظم الدراسات في هذا المجال تنهج نهجا توفيقيا انشائيا تدعو فيه (بصدق ومسؤولية) الى التطوير والتغيير الا انها لا تقدم الا دليلا اضافيا على عجزنا عن ايجاد علاج عبر برنامج اصلاحي كثيرا ما دعينا له ولم نجد آذاناً صاغية.
على سبيل المثال تعترف دراسة قدمها محمد طاقة، وحسين عجلان من كلية بغداد للعلوم الاقتصادية بضخامة المشكلات التي تواجه مؤسسات التعليم الاهلي والتي تذكر الدراسة عدد منها كالنقص في الكادر التدريسي، وعدم استقراره سنويا وعدم امتلاك اغلب الكليات والجامعات الأهلية لأبنية (مملوكة)، والبنايات التي تشغلها حالياً غير مناسبة، ونقص المختبرات والتجهيزات الملحقة بها وعدم الاستقرار في سياسة القبول. بالرغم من اعتراف الدراسة بضخامة المشكلات الا انها كما يبدو لم تتطرق الى مشكلات التعليم الاهلي الخاصة به فهي تؤكد على نفس المشكلات التي تعاني منها معظم الجامعات الرسمية ايضا.
بنظرنا تكمن المشكلات الرئيسية للتعليم الاهلي في تمتع هذا النوع من التعليم بمميزات فريدة كالانتهازية والنفعية والربحية خصوصا في مجتمع تقلصت فيه ادوار الجامعة في بناء الانسان ويمر في ازمة اخلاقية واسعة النطاق فيه تتفكك منظومة الوحدة الوطنية بمفاهيم الطائفية السياسية والعرقية، ويتسع فيه حجم الفساد الاداري والمالي لدرجة رهيبة. يدعي البعض ان الكليات الاهلية في العراق تلتزم بالشروط القانونية والاكاديمية والتعليمية لتخوفها من العقوبات ومصير الاغلاق في حالة عدم الوفاء بالتزاماتها. الامثلة على عدم وفاء هذه الكليات بالتزاماتها كثيرة وساتطرق الى عدد منها في هذه المقالة، فهل عوقبت هذه الكليات؟ وهل تم اغلاق تلك الكليات التي اثبتت لنا ان التعليم العالي مجرد سلعة استهلاكية والهدف الوحيد هو الربح؟ وهل تم سحب الاعتراف من تلك الكليات التي تقدم بضاعة فاسدة؟ وهل توجد رقابة حكومية ومجتمعية على هوامش الربح التي تحققها هذه الكليات؟ وهل توجد اي مسؤولية مجتمعية للكلية الاهلية اتجاه المحيط الموجودة فيه؟ الكليات (الجامعات) الاهلية في العراق تختلف جذريا عن الجامعات الاهلية في العالم المتطور لانها عندنا تمثل الحلقة الاضعف في التعليم العالي على عكس ما هو معروف عنها في العالم.
في الولايات المتحدة تتميز الجامعات الاهلية بالتالي: صفوف ذات أعداد قليلة من الطلبة، وبناء اقوى لشخصية الطالب، ومستوى عالٍ من العلاقات الشخصية بين الاساتذة والطلبة، ونشاطات متنوعة لتنمية قابليات الطالب المهنية والاجتماعية، واحتمالات اعلى لحصول المتخرج على عمل افضل. كل الجامعات في الولايات المتحدة تستوفي رسوم تسجيل بالرغم من ان الجامعات الاهلية تستوفي رسوما اعلى بكثير مما تستوفيه الجامعات الرسمية وذلك لانها تعتمد بشكل مباشر على تمويل الطلاب والخريجين. ولعل اكبر مميزات الجامعات الاهلية هو صعوبة الحصول على قبول فيها، فجامعة هارفارد التي تعتبر من اعرق الجامعات في امريكا لا تقبل اكثر من 1650 طالباً سنويا وبذلك فهي لا تقبل الا جزءاً قليلاً جدا من الطلبة المتقدمين لها. الجامعات الاهلية الامريكية تحتضن افضل الطلاب بينما تحتضن الكليات الاهلية العراقية (مع بعض الاستثناءات القليلة) اسوأ الطلاب من ناحية التحصيل المدرسي، أي الذين لا تؤهلهم معدلاتهم للقبول في الكليات الرسمية (الحكومية). اين هي الكليات الاهلية في العراق من مستوى الجامعات الاهلية في امريكا؟ يبدو انه لا يوجد اي مجال للمقارنة فهي تبدو تماما على عكس الجامعات الاهلية الامريكية، وفي كل المعايير الاكاديمية والتربوية. بصراحة، معظم الكليات الاهلية في العراق مؤسسات لبيع الشهادات لمن لا يستطيع الحصول على مقعد في الجامعات الرسمية ولمن يستطيع دفع ثمن الشهادة، فمهما كانت هذه الكليات حريصة على ان تبدو كبقية الجامعات من الناحية الاكاديمية، ومهما يكن اعضاء هيئة تدريسها مخلصين وكفوئين تبقى رسالتها "منح الشهادة اولا والمعرفة ثانيا"، ويبقى هدفها هو تحقيق ارباح وذلك بقبول اكبر عدد ممكن من الطلاب، وهذا لا يتحقق بضمان الجودة، بل بضمان شهادة التخرج للطالب. الكليات الاهلية العراقية (بأستثناء بعض الكليات التي تدار من قبل النقابات ومؤسسات النفع العام ومنها الكليات الدينية)، في مأزق كبير بسبب التناقض بين هدف تحقيق الربح لمالكيها واداراتها عن طريق تحقيق نسب نجاح عالية وهدف اعضاء هيئة تدريسها في مكافأة الطلبة استنادا على درجة معارفهم وجهدهم الاكاديمي.