المنبرالحر

غالب الشابندر.. الضمير من وراء القصد ايضاً / ريسان الخزعلي

نشرت "طريق الشعب" يوم 15/ 9/ 2014 على صفحتها الاولى مقالة للاستاذ غالب حسن الشابندر تحت عنوان "هل الشعب العراقي بحاجة الى الحزب الشيوعي العراقي؟". وقد اختتم الشابندر المقالة هذه بعبارة "والضمير من وراء القصد".
وها إني استعير العبارة ذاتها عنواناً لعمودي هذا اليوم، اعترافاً بان ضميره كان القصد وما وراء القصد، كان ضميره الحي هو الناطق، هو الوجه والتعبير، هو السطح والعمق، هو الوجه والقفا، هو البعد والقرب، هو الاصالة والتأصيل، هو الدال والمدلول. ولا غرابة في ذلك، كونه مثقفاً ومفكراً يدرك الحقائق التاريخية والشواهد الحيّة، ولا يرى التاريخ اكداساً من الوقائع المتراكمة، بل يستل من التاريخ جوهر الوقائع المشّرفة ونصاعتها. والرجل في استفهامه الايجابي " هل الشعب العراقي بحاجة الى الحزب الشيوعي العراقي؟" لم يمهد بتقديم او بتفاصيل كي يصل الى الخلاصة والاستنتاج، كما هو معتاد في كل دراسة او مقالة، وانما جاء الجواب سابقاً لكل هذا دون مواربة: "الجواب من وجهة نظري، نعم، ان الشعب العراقي بحاجة الى الحزب الشيوعي العراقي، بل لأكون اكثر وضوحاً فأقول ان الشعب العراقي بحاجة الى الشيوعيين العراقيين". وهكذا تدرج قوله الدقيق من التعميم الى التخصيص، بتطابق ذي دلالة، تطابق يواشج بين الفكر والتطبيق العملي الميداني الفاعل، وتلك هي الاشارة والتأشير.
لم يكن الرجل مدفوعاً بهواجس العاطفة والغايات، وانما بهاجس الضمير الحي، ومنطق الوعي في عمر الوعي: "ليس هذا جواباً يمليه تاريخ شخصي ما زلت افتخر به، ولا هو بجواب لمعالجة قضية مفارقة قد يحسبها بعض الناس تخصني ذاتاً. ويكفيني دليلاً على ذلك، ان الحقائق والوقائع تسعف موقفي هذا، فالشيوعيون العراقيون يملكون تجربة نضالية فذة عبر عشرات السنين في العراق، يمكن ان تتحول الى درس للاسترشاد والاستمزاج". ولا اريد ان اعيد هنا، الكثير من اقواله الصادقة، لان المقالة تشي بالكثير والكثير، وحسناً عملت "طريق الشعب" عندما توجتها على صفحتها الاولى، تتويجاً للضمير الذي كان ويكون باستمرار من وراء القصد، تحية للضمير هذا ولصاحب الضمير المفكر غالب الشابندر، الذي اشار على (الآخر) بالاسترشاد والاستمزاج.
لقد ذكرتني هذه المقالة الجوهرة، بحكاية عن الشيوعيين العراقيين، رواها الشاعر الكبير كاظم الحجاج في احدى جلساته الادبية. فقد كان موقوفاً مع نخبة من الشيوعيين، وصادف ان اوقف معهم احد مسؤولي التوقيف لاسباب انضباطية. وقد استغرب هذا كثيراً من طبيعة سلوكهم الاجتماعي في الموقف، حيث التعامل الانساني، والمشاركة في الطعام، والتخاطب بكلمة زميلي وقد استعاضوا بها عن كلمة رفيقي طبعاً. وفي يوم مغادرته الموقف، ودعهم (بمودّة) قائلاً بالعراقي: (في امان الله زَمايلي، تره احنه نعرفكم خوش أوادم..، بس شنسوي عيشتنه عليكم!).