المنبرالحر

حكايات جدتي.. / احمد عواد الخزاعي

في أمسيات الشتاء الطولية كنا نتجمهر صغارا حول جدتي ، لتقص علينا حكايات الأزمنة الغابرة التي أختلطت فيها الحقيقة مع الخيال في أجواء كانت تأخذنا بعيدا عن واقع وحراك حياتنا الوئيد انذاك في مجتمع كلاسيكي لازالت الكثير من أواصر الالفة والبراءة تشكل عنوانه العريض ، وهربا من شاشة التلفاز المهيمنة عليه بطولات القائد الضرورة ، نلتف حول ذلك الكائن الوديع المتوشح بالسواد ننهل مما تجوده قريحتها العفوية علينا.. رحلت جدتي منذ زمن بعيد لكن حكاياتها بقيت في ذاكرتنا كوشمها الجنوبي المنقوش على كفيها المتعبين ، ولازالت حكايتها عن ام عامر (وهو الاسم الذي يطلقه العرب على انثى الضبع ) ، تستوقفني عند رؤية كل سارق لقوت الشعب وهو يتبجح بسفسطائية أنتهازية عن أنجازاته وتضحياته من اجل هذا البلد الجريح .. وكيف سلبت حقوقنا وسرقت احلامنا في وضح النهار ، كما سرقت ام عامر ظعام صغارها الجائعين ..حين ظلوا سهارا باكين يطلبون الطعام وهي تضع قدرها على نار هادئة عسى ان يناموا قبل ان ينضج طعامهم لتنقض عليه لوحدها ، وعندما ينامون تدهن افواههم ببقايا الطعام لتخبرهم في الصباح ، بأنهم اكلوا الطعام كله في الليلة الماضية وبقيت هي جائعة من أجلهم ، هذه قصة ام عامر التي كنا نسمعها صغارا ونضحك عليها وحين كبرنا أدركنا أن ام عامر ماهي ألا أنموذجا لحكامنا الذين تسلقوا على جراحاتنا في هذا الوطن المسلوب منا عنوة ، منذ الوليد بن عقبة بن ابي معيط الذي قال مخاطبا اهل الكوفة ..(ارض السواد وما عليها هي روضة من رياض بني أمية ) ..جدتي ..كم أم عامر الان تلوث افواهنا بالطعام المعفر بدمائنا ..؟..وكم نحن بحاجة الان الى حكاياتك كي نلوذ بها من واقعنا المرير ونهرب من شاشة التلفاز المهيمنة عليه أشلاء قتلانا ..؟.