المنبرالحر

الدواعش في إدارات الجيش العراقي / فرات المحسن

ما قبل احتلال الموصل من قبل داعش، تكررت في وسائل الإعلام قصص عن هروب فردي و جماعي لقطعات الجيش في العديد من المعارك مع المسلحين في مناطق عديدة من المحافظات العراقية الساخنة، وسجلت وقائع لا تخلوا من غرائبية عن أوامر غير معقولة لا علاقة لها بالسياقات العسكرية تصدر عن بعض قادة القطعات لتضع الجنود بل وتدفع بهم إلى مواضع قتل مجانية.
جاءت واقعة الموصل لتفضح الكثير من الخفايا التي تستر عليها طويلا ولازال ومنذ عهد السيد المالكي، وكانت مجزرة سجن بادوش ثم قاعدة سبايكر دليلا على سوء القيادة وتورط العديد من رؤوسها فيما حدث للجيش، وذهاب كل تلك الضحايا دون أن نجد ولحد الآن ما ينصف أهاليهم أو الشعب العراقي بتوصيف حقيقي للجريمة وإحالة القادة من المسؤولين عن ما حدث على التحقيق. ورغم تشكيل لجنة حول جريمة سبايكر فأن النتائج بقيت في جيوب أعضاء اللجنة، والتلميحات تشير لوجود أياد خفية تضغط بشدة وعبر تهديدات وقحة لطمس معالم التحقيق والتستر على النتائج. ويظهر أن هناك دوافع وأسباب طائفية وعشائرية تترافق وعدم توافق سياسي بين أطراف داخل السلطة الحاكمة تعلق مطالبها ومصالحها السياسية بمتابعة ونشر نتائج التحقيق في قضية بادوش وقاعدة سبايكر.
لم يقتصر الأمر على ما حدث في سجن بادوش أو قاعدة سبايكر وإنما الحالة تكررت في العديد من مواقع القتال ضد عصابات داعش وحلفائها وأخرها مناطق الصقلاوية والسجر. حيث تشير جميع القرائن إلى تواطؤ بين بعض قيادات الجيش بالامتناع عن تنفيذ الأوامر أو تغييرها ودفع الجنود نحو ساحات المعارك دون خطط عسكرية واضحة ومدروسة، وتسليمهم لقمة سائغة لعصابات الإرهاب ليلاقوا حتفهم هناك،دون مراعاة لقواعد المهنة العسكرية وشرفها . وكشواهد على ذلك، فقد امتنعت قيادة القوة الجوية وطيران الجيش ومثلهما وزارة الدفاع وكذلك قيادات الفرق عن تقديم العون للجنود المحاصرين في تلك المنطقتين بحجج واهية منها وجود عبوات ناسفة وألغام تعيق تقدم الجيش. ولكن انعدام دور طيران الجيش والقوة الجوية يثر تساؤلات كبيرة ويفضح المخفي ويؤشر لوجود تواطؤ مبيت لمساعدة داعش والقوى الإرهابية الأخرى للسيطرة على الموقعين وقتل الجنود المتحصنين فيهما. وقد تجاوز الأمر كل المسلمات العسكرية حين أحتجز قادة الفرقة الأولى الجنود الناجين من المنطقتين والملتحقين بمعسكر طارق وعدوهم متخاذلين وخائنين لشرف العسكرية، ويوضعون تحت طائلة الحكم بالإعدام، وطالبوهم بالعودة إلى الصقلاوية والسجر دون تجهيزهم بالعتاد والسلاح والمعدات.
وسبق أن حدث ذات الشيء في منطقة جرف الصخر ومثله في الضلوعية وقبلها في أمرلي التي لم يفك الحصار عنها إلا بعد ضجة ونداءات من المرجعية الدينية والأوساط الشعبية، وبعد مضي ثلاثة أشهر من الحصار والقتل الذي واجهته المدينة. واليوم وعلى ذات المنوال تشير المعلومات إلى محاصرة داعش وحلفائها ومنذ أسبوع لثلاثة أفواج من الجيش العراقي تابعة لكتيبة دبابات اللواء 35 وفوج مشاة من الفرقة العاشرة شرق محافظة الأنبار . وهؤلاء العسكر البالغ عددهم 240 فردا يقاومون هجمات داعش والعشائر مع نقص بالعتاد والأسلحة والمواد الغذائية دون أن يجدوا من يقدم لهم الإسناد رغم نداءاتهم المتكررة لوزارة الدفاع وقيادة القوة الجوية وطيران الجيش وقادة الفرق القريبة من مواقعهم، ولم يجدوا من كل تلك المؤسسات والقادة غير الإهمال والصمت المطبق.
وتتكرر أيضا وفي العديد من المرات عمليات ضرب الأهداف بشكل غير دقيقة من قبل طيران الجيش والقوة الجوية. ففي مناطق الموصل وصلاح الدين والرمادي ومثلها في منطقة جرف الصخر تكرر قصف مناطق الحشد الشعبي وقطعات الجيش العراقي من قبل الطائرات العراقية ، مما سبب خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات وقامت الطائرات أيضا بإسقاط المؤونة المخصصة للجيش وسط تجمعات العصابات الإرهابية، كل ذلك دفع للتشكيك بمهام تلك الطائرات والأسباب التي تؤدي لتغيير إحداثيات الهدف العسكري وتوجيه صواريخها نحو الجيش العراقي أو رمي المؤونات للعصابات.
يبدو أن مثل هذه الأمور لها من الأسباب ما يبعث الريبة والشكوك. وأن أخذناها بالنوايا غير السيئة فهي تأتي من جراء عدم مهنية القادة والأمرين وسوء تقديرهم لقوة العدو أو لطبيعة أرض المعركة وسوء تغطية الجوانب السوقية وقلة أو وهو المرجح شح المعلومة الأستخبارية المترافق مع ضعف التجهيزات والمؤون ونقص بائن في عدد الجنود. وهذا ما أشير للكثير منه في التحقيق الذي أجرته لجنة الأمن والدفاع في البرلمان. والتي ظهر لها بعد التحقيق خطل تبريرات القادة حول تكرر عمليات الحصار ومقتل مئات الجنود. وقد امتنعت اللجنة عن كشف تفاصيل الشهادات التي أدلى بها بعض قادة الجيش.
ومن هذا فأن الأمر يتطلب من القائد العام للجيش أن أراد الحفاظ على بقايا جيش وقوة يحارب بها الإرهاب، دراسة موسعة لهياكل الجيش وإعادة النظر بالقادة والآمرين ومتابعتهم باستمرار ووضعهم تحت المراقبة الدائمة ، وتدقيق طبيعة وحاجة المعركة ومتطلباتها ولوازمها.
فتكرار الحصارات للجيش العراقي ومصرع المئات من أفراده مع امتناع قياداته وطيران الجيش والقوة الجوية عن تقديم العون للمحاصرين أو قصفهم للقطعات بشكل خاطئ يولد الاعتقاد بأن مثل تلك العمليات مدروسة ومعد لها بشكل منظم من قبل قادة داخل إدارات الجيش العراقي الحالي تدفع لتغيير الإحداثيات والأوامر لغرض ضرب قطعات الجيش وأضعاف قدراتها ثم دفعها للانهيار. وتلك الغاية تتوافق تماما مع مهام موكلة لهؤلاء الرهط من العساكر في الجيش العراقي من عملاء لدول تضمر للعراق السوء، وأيضا مرتبطين بمشروع البعث الصدامي ولهم خيوط ارتباط بداعش ورجال العشائر الموالية لها . وسوف تكون مثل هذه الأفعال والوقائع أن استمرت بمثل هذا الإيقاع، وبالا على الشعب العراقي قبل جيشه، ونجد أن الحصار والقصف الخاطئ سوف يستنزف قطعات العسكر شيئا بعد شيء، وتكون النهاية هروب أعداد غفيرة من الجند وهزيمة محتمة ومدوية تدخل العراق في المجهول أكثر مما هو عليه الآن .