المنبرالحر

داعش امام اختبار سيناريوهات امريكي في المنطقة / انس محمود الشيخ مظهر

طالما اشرنا الى ان داعش هو مزيج من اجهزة استخبارات دولية واقليمية , ليس بالضرورة ان تكون متوافقة مع بعض , تمتلك كل واحدة منها مراكز قوى داخل التنظيم , مستغلة العبثية التنظيمية في عدم وجود رؤية ستراتيجية له . فإذا كانت امريكا وعلى لسان بايدن اشارت باصبع الاتهام الى دول حليفة لها بتورطها في دعم داعش بشكل مباشر , فهذا لا يعني انها لم تكن بمباركة امريكية , ولا يعني كذلك ان دول المعسكر المضاد ليست متورطة ايضا مع داعش ولكن بطريقة اخرى تعتمد على فهم طبيعة الايدلوجيا المسيطرة على هذا التنظيم والتحرك بموازاتها بحيث تصب في مصلحتها بالنتيجة , مثلما حصل في قضية اخراج قادة هذا التنظيم من السجون في سوريا والعراق في توقيتات مشبوهة ,وإفساح المجال امامهم للسيطرة على مناطق شاسعة من الدولتين , الامر الذي ادى بالمجتمع الدولي الى توخي الحذر في التعاطف مع ثورة الشعبين السوري والعراقي ضد انظمتهما وصبغها بصبغة داعشية ادت الى اضعاف وتيرة هاتين الثورتين .
على ذلك فيمكن اعتبار خطاب بايدن الاخير في جامعة هارفارد هو ايذان لبدء مرحلة جديدة في التعامل مع احداث المنطقة من خلال نافذة داعش . ورغم الحشد الدولي التي تحاول امريكا حشده شكليا ضد هذا التنظيم إلا ان ما هو موجود على السطح لا يشير بأي حال من الاحوال الى جدية امريكية في القضاء على داعش , فاعلى سقف قد تصله امريكا في هذه المرحلة هو تهذيب التنظيم وليس القضاء عليه , الامر الذي يفسر التهاون الامريكي والغربي في استهداف مواقع داعش وانتقاء اهداف لا تشكل خطرا نوعيا على قوة التنظيم , فبدت الغارات الجوية الامريكية والغربية على مواقع التنظيم وكأنها دورة تدريبية للطيارين الامريكيين .
اذا ما الذي حدى بأمريكا للتدخل بشكل مباشر الان لمحاربة داعش في هذا التوقيت بالذات ؟ وللجواب على هذا السؤال سنحاول التطرق للنقاط التالية : -
1- امتلاك الدول الحليفة لأمريكا (والتي اتهمها بايدن علانية بدعمها لداعش) لأجندات مختلفة غير موحدة شتت داعش ودفعتها للقتال في مناطق تعتبر خطوط حمراء للسياسة الامريكية لا يمكن المساس بها , كما حصل في هجوم داعش على كوردستان العراق التي تحوي على الكثير من المصالح الاقتصادية الامريكية , وكما حصل في تهديدات التنظيم الاخيرة للسعودية ودول الخليج الاخرى , وأيضا ظهور دلائل على عزم داعش تهديد امن الاردن , مما حدى بالجانب الامريكي التدخل ( لتنظيم) تحرك التنظيم وإبعاده عن المناطق التي تضم مصالح امريكية بضربات جوية غير قاتلة .

1- يظهر ان الانتصارات النسبية لداعش على الارض , والتضخيم الاعلامي الغربي المبالغ فيه لقوتها , اوهماها بإمكانية تمردها على بعض التوجيهات , ساعد على ذلك استيلائها على كميات لا يستهان بها من اسلحة الجيشين العراقي والسوري . هذا التمرد الداعشي على توجيهات حلفاء امريكا تطلب تدخلا امريكيا مباشرا لتطويع التنظيم مرة اخرى وتهذيبه .

2- حسب المعطيات فان المواجهة الامريكية الحالية مع داعش ستكون في اتجاهين ... فستحاول امريكا من ناحية ضرب التنظيم دون هوادة في الاماكن التي تشكل تهديدا لمصالحها وإبعادها عنها كما اشرنا سابقا , ومن ناحية اخرى مراقبة ادائه وفعاليته في الحد من النفوذ الايراني في المنطقة , سواء في العراق وسوريا , وحتى داخل الاراضي الايرانية ( ان استطاعت) .
3- اذا ما استقبلت داعش الرسائل الامريكية بشكلها الصحيح , وتجاوبت معها كما ينبغي , فان الضربات الامريكية ( التي ستطول ثلاث سنين حسب المصادر الامريكية) ستستمر دون ان تؤثر على بنية التنظيم وقوته , ليس هذا فحسب بل ويمكن ان تستأنف امريكا مرة اخرى ( عن طريق حلفائها في المنطقة ) مده بالمساعدات والأسلحة بغية بعث الروح فيه من جديد .
4- اذا لم تستوعب داعش الرسائل الامريكية هذه , واستمرت في تمردها فهذا يعني انها قد تحولت الى خطر حقيقي على امريكا ومصالحها وعليه يجب كبح جماحها والقضاء عليها بشكل نهائي خلال الفترة المحددة .
5- ان التصريحات الامريكية بخصوص تحرير الموصل , والحاجة الى ما يقارب العام لتدريب المسلحين الذين سيشاركون في تحريرها , تتناسق تماما مع فترة الثلاث سنوات الاختبارية , فلمنع انهيار التنظيم كليا يجب ان يمتلك رئة يتنفس من خلالها , تعطيه القدرة على تنظيم نفسه , والتقاط الانفاس وتعبئة عناصره , ومن ثم الانطلاق منها للسيطرة على مناطق اخرى مخطط لها . وتمثل الموصل المكان الانسب لكل هذه المهام .
6- سواء اتفقنا معها ام لم نتفق فقد حاولت امريكا ومنذ عقود النيل من الثورة الايرانية وإخضاعها للمعسكر الامريكي الغربي دون جدوى , ولم تفلح محاولاتها تجنيد المعارضة الايرانية في الداخل والخارج لهذا الغرض , لذلك فلا يمكننا التصور بان امريكا ستضحي بداعش دون ان تختبر قدرتها على تحقيق حلمها في زعزعة الاستقرار الايراني وتحريك خلاياها النائمة في ضرب (الثورة الاسلامية الايرانية) من الداخل , بل وحتى اسقاطها . على هذا فان قصقصة اجنحة داعش في السيطرة على اماكن تواجد المصالح الامريكية سيدفعها باتجاه التقرب من الحدود الايرانية شرقا والعراقية ( في بغداد ) جنوبا وباتجاه نظام بشار الاسد غربا .