المنبرالحر

التقينا على المحبة انتصاراً لمدينة الموصل / فوزي الأتروشي*

يوم 11/10/2014 التقينا في قاعة فندق بغداد كحشد من المثقفين بيننا العربي والكوردي والتركماني والسرياني والشبكي, والمسلم والمسيحي والايزيدي والصابئي. التقينا على المحبة والسلام والتسامح انتصاراً لمدينة الموصل او نينوى او خرسباد او الحدباء او ام الربيعين, سمها ما شئت فأنها المدينة الموغلة في القدم والتراث الانساني والحاوية على اكبر قدر من التنوع الى حد قال عنها الكاتب سهيل قاشا(( انك لا تجد فيها قريتين متجاورتين تنتميان الى جنس واحد وتتكلمان لغة واحدة)). ان غناها وتراثها الحضاري المهدد على يد داعش الارهابي هو الذي حرضنا ومعنا «الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان» لإقامة ندوة حوارية بعنوان «الموصل حاضرها وماضيها»، التي حاضر فيها المؤرخ ياسين الحسيني فاستعرض كل دقائق وتفاصيل هذه المدينة العابقة بألق التاريخ بسكانها ومثقفيها واعلامها واسواقها ومقاهيها ومدارسها ومكتباتها واسهاماتها الفكرية والفنية وعادات وتقاليد اهلها التي تتعرض اليوم الى هجوم ظلامي من قبل (داعش ) الارهابي.
وشملت الفعالية معرضا للصور ولأهم المواقع التراثية والثقافية للمدينة. وقلنا في الندوة ((ان من يهدم اضرحة الانبياء وتماثيل رموز الثقافة والادب في الفن, فإنما يسجل وصمة عار على جبينه ويعلن بصراحة انه ضد كل قيم الجمال والفكر والحضارة وتبنى تهمة ستبقى لصيقة به على مدى الايام تخرجه من المجتمع البشري الى غابة التخلف والاضمحلال والتدمير التدريجي ليصبح اثراً بعد عين)).
اجمل ما في هذه الحوارات الصريحة في الندوة انها ركزت على وطنية المقاومة امام طائفية داعش وعلى انحياز الجميع الى الوطن لأنه ككل وليس كجزء في خطر داهم .
لقد استطاع داعش ان يمسك بارض مدينة الموصل ولكن ذلك يبقى مؤقتا, فالمهم هو القيام بحملة فكرية واعلامية وثقافية لدحر اصول فكر (داعش) وسلوكياته المنافية لكل مبادئ الحق والانصاف والفلسفات والاديان فهو فكر تدميري يائس وسينطفئ حتما مثلما اندحر فكر (الخوارج) وفرقة (الحشاشين) وكل اشكال المدارس الفقهية المتشددة التي تجعل هدفها قتل الانسان وتحطيم ماضي وحاضر ومستقبل الحضارة الانسانية .
ان هذا يقتضي العودة الى اصل الفكرة التي تقود الى بروز هكذا ظواهر خطيرة في حياتنا, وهي افكار الاقصاء والتهميش والتمييز بين الاعراق والاديان والطوائف واللغات والنساء والرجال والاغلبيات والاقليات, وهي مظاهر شائعة في حياتنا دون ان ندرك انها تولد تراكمات فكرية وسلوكية تقود حتما الى حلول العنف محل السلام وحلول التناحر محل الحوار, مما يزرع بذرة اغتيال الوئام الاجتماعي والسلام المدني القائم على تنمية دولة مدنية ديمقراطية ودولة المواطنة. وبقدر ما نتعظ من تجاربنا ومن تجارب الشعوب ومن تجليات الفكر الحضاري سنكون جسماً محصناً وحائزاً على قدر اكبر من المناعة ضد هذه التجمعات التكفيرية والامراض الفكرية التي تجتاح مجتمعنا العراقي.
ان اخراج داعش من الموصل وغيرها من المدن العراقية هو هدف عسكري وامني وسياسي حتمي, ولكن بالمقابل علينا جميعا اعادة غربلة اسس التربية والتعليم والثقافة والقانون والقضاء والسياسة لتكون مكرسة لخدمة الانسان بذاته، وأن نمنح الهوية الوطنية الشاملة فرصتها للنمو والنضج عوضاً عن الهويات والتخندقات المناطقية والحزبية والطائفية والقومية والدينية. ان (داعش) ساقط حتما ًولكن بعد ان نكون نحن قد تعافينا من مظاهر واعراض السلوكيات الضارة التي تعصف بنا .

* وكيل وزارة الثقافة