المنبرالحر

كنّا، فلِمَ لانكون؟! / مزهر بن مدلول

كنّا نسكن في اكواخ طينية تتجول فيها الجراثيم من غرفة الى غرفة، فلا ضوء فيها ولامذياع ولامراحيض، لم نكن نعرف (التي جي في) ولا (البيكيني)! ولم تصلنا اخبار الشجرة الاغريقية (الديمقراطية) التي نبتت هناك!، ومع ذلك كانت لنا القدرة على استبدال الملل، وكان الضوء يشعُّ في داخلنا، ونجد متعة في الطرب الاندلسي!، ونقرأ (الحب في زمن الكوليرا)!، وكانت حياتنا مليئة بالضحك والاحاسيس، نتقاسم الألفة والمعرفة ولنا من الوقت مايفيض لنفكر بالمستقبل.
كنّا مرميين في الخلاء والدروب الهامشية، من دون ان يمنحنا (جورج بوش ) ولا (ساركوزي) اي حصانة!، نعيشُ على كفاف الرغيف، ونشكو جفاف الجسد ونقص الكالسيوم وعسر الهضم، ومع ذلك كنّا نعشق الهواء النقي ونتطلع الى الافق الذي نجد فيه انفسنا احرارا، وكانت نفوسنا كريمة، وطقوسنا دافئة بحفلات البخور، وكانت لنا احلاما رغم انحسار الضوء عنها وانغمارها في الظلال، لكنها مبللة بالأمل وكنّا ننتظرها ان تنبت ويتدلى منها الثمر!.
كنّا نعلم، (انّ غابة الحقد تختفي وراء شجرة الأرز)!، وانّ البلاد اصبحت في النزع الاخير بين الحياة والموت، والجنود المساكين يهلكون من العطش والجوع خلف المتاريس، ونعلم ايضا ان الطائرات السمتية تقصف احياءنا في الشمال والجنوب وان الاقبية السرية اصبحت كثيرة واشد قتامة، بينما القصور على الضفة الاخرى زاهية الالوان وعامرة بكل ماتشتهي العين، وان عواطف الطغاة خرساء وينامون ملأ اجفانهم، ومع ذلك لم نقف خانعين نذرف الدموع، ولم نكتف باللامبالاة وهزّ الكتفين، وانما كنّا مدججين بالأمل والمعنويات وكان تفاؤلنا هو (الترمومتر) الذي نقيس فيه درجة حرارة تفوقنا.
كنّا ضحايا اصحاب منطق الشواذ، الذين ابتكرت مخيلتهم ابشع اساليب التنكيل بالانسان، وكأنّ تلك الاساليب منبثقة من مخيلة شيطان رجيم لايرحم!، ومع ذلك لم نفقد الثقة بقدرتنا على هدم الجدار من اجل الوصول الى حديقة الزهور!.
كنّا نقول لا في زمن نعم!، تجتذبنا ادغال بوليفيا والاعلام الحمراء وبندقية غيفارا، نقاتل من اجل حياة جديدة وعراق قادر على صعود القمم، ولم تغرينا ربطات العنق ولا الراية السوداء ولا حور العين!، لأننا فهمنا السياسة على انها عمل تطوعي نزيه من اجل الصالح العام وتدبير شؤون الناس وليس قطع رؤوس وغزوات وغنائم!، هكذا كنّا، فلِمَ لا نكون؟!.