المنبرالحر

فضائيون-مظليون؛ حكومات فاشلة، دولة غائبة ومجتمع هش / مازن العاني

من "بركات" النظام الدكتاتوري السابق انه ساهم في "إغناء" لغتنا العربية، ولهجاتنا العراقية الجميلة على وجه الخصوص، بمصطلحات و توصيفات شاذة وغريبة، تنسجم مع ازمنة تفكك وانحدار النظام او الضبط الاجتماعي، والتردي الثقافي و القيمي،وتتماهى مع البحث عن الخلاص الفردي، والتحلل من الالتزامات تجاه الدولة و المجتمع.التفكك والتردي اللذان ارتبطا بالحروب العبثية والخراب الروحي الذي الحقته بالنفوس، من خلال تداعياتها وافرازاتها المعيشية والاجتماعية و النفسية والسلوكية. وزاد الطين بلة وجعل الاشياء اكثر سوءاً وتعقيدا، الانهيار والانفلات العبثي الذي ارتبط بالتغيير الاجتماعي والسياسي الذي شهدته بلادنا بعد نيسان عام 2003 .
حواسم، قفاصة، صكاكة، خطافة، علاسة، طساسة، لواحيكك، 56(مادة الاحتيال والنصب)، حدايق، همبلٌة، ثم فضائيون او مظليون. كلمات بتنا نعرف ألفاظَها مثلما معانيها باتت تُعرف.واصبحت جزءاً من مفردات دخيلة هجينة في استخدامات العراقيين اليومية.
ما يعيد ترديد هذه التوصيفات هو غفلة القانون، وضعف الشعور بالامان، وتصريحات عدد من السياسيين والمسؤولين بعد اجتياح تنظيم داعش لمدينة الموصل، بضمنهم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، الذي إشتكى بحرقة، والشكوى لغير الله مذلّة، من حجم ظاهرة الفضائيين أو المظليين في وحدات القوات المسلحة. حيث هناك شبه إجماع ان أكثر من نصف العسكرين المسجلين في عديد من الافواج والالوية وغيرها من الوحدات العسكرية، وتصرف لهم رواتبهم ومخصصاتهم منذ سنوات حتى آخر دينار، هم فضائيون، غير موجودين على الارض لا في ساحات التدريب ولا في جبهات القتال، بل موجودون في العالم الافتراضي وفي مخيلة البعض من آمري الوحدات العسكرية في تشكيلات الجيش والشرطة وسجلاتهم المزورة.
ورغم خطورة الظاهرة الا ان مصيبتها لا تنحصر داخل المؤسسة العسكرية بل لها امتداداتها، ومنذ سنوات طوال،في دوائر الدولة ومؤسساتها المدنية، بدءاً من مكاتب بعض الوزارات وصولا الى أصغر دائرة في الوزارة.
والمظليون كما الطيور انواع واصناف، وهم مثلهما ايضا محلقين في الفضاء؛ بعضهم مجرداسماء وهمية ملفقة لا وجود لاصحابها ، وكل مايتصل بها من وثائق مختلق ومزيف من قبل المسؤولين الاوائل في المؤسسات بمساعدة البطانة الضيقة المحيطة بهم. القسم الثاني من الفضائيين هم مظليون بلحم ودم يحملون وثائق ممهورة بأختام رسمية حقيقية، ثبتت صحة صدورها، لكن فوز هؤلاء بوسام الفضائي مقترن بكونهم لا يحضرون الى دوائرهم مؤسساتهم بالاتفاق مع مرؤوسيهم ، وهم ربما مقيمون هنا في العراق او في بلد اخر خارج العراق، صنف منهم تصله مخصصاته الى بيته، او يجري تقاسمها محاصصة مع مسؤوليهم، والصنف الاخر تذهب مخصصاته كاملة الى جيوب المسؤولين مقابل اعفائهم من الالتزام بالدوام اليومي والحضور الى ومؤسساتهم.
الا يشير كل هذا الى اننا نعيش مرحلة تفكك اجتماعي وقيمي، كما يصفها علم الاجتماع، حيث يختل التقليد او الضبط الاجتماعي ويجري الانحدار الى ما يسميه عالم الاجتماع الانكليزي توماس هوبز(1588-1679م)، مرحلة "ما قبل المجتمع" الهمجية؟.
هل يراد لنا ان نفقد الثقة بمجتمعنا، ولا نكتفي بهشاشة الحس الوطني بيننا، بل علينا ان نفقد الحس الإنساني ايضا؟ اليس هذا ما تقود اليه الاوضاع الراهنة اذا لم يجرِ تدارك جذري وعاجل للضياع الذي نتخبط فيه؟