المنبرالحر

الطبخ في عاشوراء تحدٍ للنظام الصدامي! / منعم جابر

هو من اهالي الاعظمية وناسها الطيبين. ارتبط بالشيوعيين منذ اول شبابه. تعرفت عليه في سبعينات القرن الماضي، حيث عملنا سوية في الشبيبة الديمقراطية، وتعرض للسجن والاعتقال ولمضايقة ازلام النظام الصدامي. ورغم كل هذه الظروف القاسية ظل وفياً لقيمه ومبادئه وبقي متابعاً لاخبار «الربع»، وشلون جماعتنا؟ وعندما ألتقيه صدفة يسألني عن آخر الاخبار وكنت مطمئناً له.
في منتصف الثمانينات في مثل هذه الايام.. أيام محرم، وجدته ومعه اولاده وعائلته وهو يطبخ الهريسة فتمازحت معه قائلاً: «ابو عبد الله ايبين صاير من الجماعة؟» فأجابني بسرعة: «عيني منعم آني اريد اعبر عن معارضتي لنظام صدام فوجدت ان الطبخ للحسين ومن اجله هو احسن تعبير عن المعارضة». وفعلاً كان ابو عبد الله هذا الوطني الشريف يجمع الاصدقاء والاقارب والكثيرين من ابناء محلته في ليلة العاشر من محرم ليطبخ الهريسة ويهيئ معها (قدر دولمة). وكان كثيراً ما يحول هذه المناسبة الى فرصة للقاء الاحباب والاصدقاء. وقد اكد لي صديقي ابو عبد الله ان ضابطاً من المنطقة جاءه في اليوم التالي وساله: هاي شمسوي ابو عبد الله انت دوختنا، ما ندري هم شيوعي وهم تطبخ للحسين وهم سني؟! اجابه صديقي ابو عبد الله قائلاً: «عمي آني رجل اجتماعي واستغل هذه المناسبة لجمع الاهل والاصدقاء لتوطيد اواصر المحبة والعلاقات الانسانية.. وبعدين هاي مناسبة للجميع ما بيها فرق بين سني وشيعي وكردي وتركماني، كلنا عراقيين وعايشين سوة».
بعد التغيير الذي شهده الوطن التقيت ابو عبد الله مرات عدة لاننا من ذات المنطقة وكثيراً ما اوصل له بعض المتابعات والاخبار السياسية وآخر اخبار «الجماعة». وقبل ايام التقيته في سوق الخضار في الاعظمية وسألته: هل ما زلت تطبخ كما عهدتك ايام الطاغية؟ اجابني: لا، لم اعد اطبخ. سألته لماذا؟ قال: الطبخ ايام الطغاة تحدي واعتراض وموقف، اما اليوم فانه شيء آخر، فالبعض يمارسه تزلفاً والبعض يمارسه تظاهراً او من اجل بعض الاهداف والمصالح. نعم هناك من يمارس هذه الطقوس حباً وتقرباً للامام الحسين وآل بيته الأطهار. واضاف: لكني لا زلت اتبرع بمبالغ الطبخ بشكل سري الى الفقراء والمحتاجين من ابناء محلتنا، لان الفقراء هم الأحق بالرعاية والاهتمام.