المنبرالحر

أَلهاكُمُ التكاثُرُ حتى مَلأْتم المَنابرْ / مازن العاني

متنوعة هي الظواهر الغربية التي تناسلت و تكاثرت في مجتمعنا منذ التغيير في نيسان 2003، مستغلة تآكل ما كان قائما قبل ذلك من بقايا دولة وشظايا قانون وخيال رقابة، بعد إنفلات الامور منذ الايام الاولى للسقوط المدوي للنظام الدكتاتوري السابق، حتى تحول البلد الى"خان جغان" و"بستان سايب" لعابري السبيل و المزورين.
مشهد أول:
تكاثرت في منابرنا الاعلامية، وبالاخص الفضائيات التلفزيونية، أعداد "النجوم" الصاعدة الى جانب "نجوم" قديمة من المحللين السياسيين والعسكريين في البرامج الحوارية الـ"توك شو". وهذه بالاطار العام ظاهرة ايجابية مرحب بها، خصوصا وهي تؤشر لفسحة من الانفتاح ومساحة من الحوار وتلاقح الافكار. غير ان ما يثير الانتباه هنا هو العشوائية والانتقائية التي يُعرّف بها السادة المحاورون انفسهم، أو يُعرَّفون من قبل معدي البرامج، و يجري اختيار ألقاب غايتها الوجاهة اكثر مما تعكس حقيقة الكفاءة؛ باحث واكاديمي، باحث متخصص، خبير استراتيجي، متخصص في الشؤون العسكرية، فقيه دستوري، مستشار قانوني... وقد يزيد بعضهم في الكرم ويضيف لضيوفه لقب (دكتور) وغيرها من الألقاب التي يتم منحها لمن لا يستحقونها ولا يعترضون عليها. ويحدث احيانا ان يمنح مقدمو البرامج الألقاب غير الحقيقية لضيوفهم ويغيرونها تبعا لموضوع النقاش‏.
هذه الألقاب او الهبات تذكرنا بألقاب من قبيل كوكب الشرق و موسيقار الأجيال و العندليب الأسمر و سيدة الشاشة وسندريلا الشاشة ووحش الشاشة و البرنس والملك، وغيرها العشرات.
في المقابل تعيد لنا تحليلات خبرائنا وباحثينا ذكريات عن زملاء لهم من الاخوة العرب، والمصريين منهم على وجه الخصوص، الذين كانوا يتكاثرون و تزدحم بهم منابر وفضائيات عربية أيام "أم المعارك" و"الحواسم"، وكانوا يبشروننا بانتصارات قادمة وفتوحات مرتقبة لصدام حسين، بدلا من ان يتنبأوا بهزائمه وخيباته
مشهد ثاني:
لكن ما يشكل آفة أخطر من "الغش الاعلامي" في زمن الترهل والتردي الذي نمر به هو التكاثر المفاجيء لاعداد المتدافعين بالمناكب للحصول على شهادات دراسية وألقاب علمية، حتى وان كانت معطوبة، لاعتبارات لاعلاقة لها بالعلم والتعليم، وانما بحثا عن وجاهة اجتماعية او"برستيج" سياسي، او لقضايا تتعلق برواتب ومخصصات اضافية.
وتتكاثر أعداد الزاحفين نحو الشهادات العليا وتسلق المنابر الاكاديمية بنفس الوتيرة التي يتواصل فيها هبوط قيمة الالقاب والدرجات العلمية وتراجع اهميتها، بعد ان باتت تمنح لاشخاص غير مؤهلين لها، يفتقرون الى ملكة البحث وسعة الفكر العلمي والثقافي والحضاري، الامر الذي يشكل انتهاكا معيباً للنزاهة الأكاديمية و العلمية، و ينبئ بمستقبل غامض لمؤسساتنا ومكانة اساتذتها وباحثيها، وللمستوى العلمي فيها، بعد ان باتت بعيدة عن دخول التصنيفات الدولية.
تكاثر أعداد المتزاحمين حفز زيادة أعداد المدارس والكليات الاهلية التي تكاثرت وتضاعفت هي الاخرى. وتفتقر غالبية هذه الكليات الى المعايير و المتطلبات العلمية والاكاديمية الموضوعية والعالمية المطلوبة.
رافق هذا توسع سريع في افتتاح جامعات حكومية جديدة وزيادة هائلة في عدد الكليات والاقسام في الجامعات القديمة وافتتاح دراسات مسائية من دون ان ترافق هذا التوسع زيادة في عدد التدريسيين المؤهلين والبنايات والمرافق الجامعية.
رحم الله عزيز علي وطيب ثراه:
"دِشَر كل من جا دِخلها، صايرة خان جغان ، بابها مفلش مهدم و الحرامية تحوم، و طوفها معرعر مثلم، واكـعيلك بيها حوم..."