المنبرالحر

عن الإستفزاز / قيس قاسم العجرش

في كل فعل للقتل الجماعي، هناك لحظة "يبدو" فيها أن المقتول قد استفز القاتل، وبالتالي يخرج صوت خافت جداً ليقول: لو كان المقتول قد تجنب فعل كذا، لما كان سيمنح القاتل ذريعة فعله!
لنراجع مراجعة تاريخية فرضية التجنّب هذه، وهل كانت ستنفع في إقناع القتلة أن يرعووا ؟
عاش الايزيديون والمسيحيون في الموصل ضمن حدٍّ مُنخفضٍ جداً من الحياة الاجتماعية، ألغوا القدّاسات ولم يبتنوا اي كنيسة جديدة أو معبد خلال عشر سنوات ماضية.
تجاوزوا في معيشتهم الواقعية مسألة (كفاية الشر بالخير) بل لم يكن لديهم اي نوع من الشرور، وكان التطرّف يحيط بهم ويسمعونه بآذانهم لكنهم آثروا الوقاية والسلامة للإبقاء على وجودهم التاريخي طويل الامد.
قبل حزيران تعرّض عدد كبير منهم للقتل الفردي والإستغلال البشع والإبتزاز واللصوصية، التي تأتي من شعور جبان بضعف المسيحيين او الأيزيديين او الشبك هناك.
لكن شعوراً عاماً بين ابناء الموصل بالمحبّة تجاههم لم يتوقف عن الفيض تحت أحلك صور التطرف، وكان في ذلك ما يخفف عنهم.
وحين اندحرت المحبّة لحساب التطرّف واشعل التنظيم العدمي(داعش) نيران الوحشة في المدينة، لم تنفع سيرة (عدم الإستفزاز) التي سار عليها هؤلاء في منحهم الأمان، وأخرجوا من ديارهم .
تقول الإحصائيات إن 2000 عائلة مسيحية خرجت من الموصل بعد أحداث حزيران الماضي (خرجوا بملابسهم وبلا اي ممتلكات) كي يسلموا على ارواحهم المُهددة.
بينما لم يبق التنظيم السفاح اي مجال للإيزيديين سوى القتل، وهي رسالة تعمّدها التنظيم الإرهابي كي يوحي لبعض المتطرفين من غير المـُنخرطين في التنظيم انه يتبع في ذلك (نظاماً إسلامياً محدداً) لتصنيف المُغايرين.
الأمر دعائي بحت وغش مقنع، لكن هناك من أقتنع بهذه اللعبة التي كان يجب ألا تنطلي على أحد.
وبالفعل، خرج مُتبرعون ومُبخّرون ليتحدثوا كيف أن (ثوار عشائر!) وليس(داعش) هم من انتفضوا على (ظلم)الجيش العراقي وسوء معاملته.
لكن داعش رمتهم بأعقاب خذف الأباعر! ولم تُعر لهم إهتماماً بينما كانوا يتوقعون أن الصيد ثمين وان هناك من (سيفاوضهم!) ويحصدوها مناصب وحصصاً، أملاً في تكرار سيناريو 2006.
الحقيقة أن القاتل الجماعي العدمي لا يعرف عن ضحيته شيئاً، لذلك لن يغير من رأيه حتى لو لم (تستفزه) الضحية.
القتلة وهم يستهدفون اليوم شعائر عاشوراء، لن يغيروا من نزعتهم الوحشية حتى لو جرت هذه الشعائر خلف ابواب مغلقة.. هم لا يعرفون القتيل، إنما لهفة القتل هي الدافع.. حتى لو ألغيت هذه الشعائر بالكامل فلن يتراجعوا عن غيّهم. فهم باحثون عن الدّم والعدم ..بينما الأسوياء يبحثون عن الحياة.