المنبرالحر

نظرية المباراة في الحرب والسياسة / علي عبد الواحد محمد

القائد العسكري الألماني الفذ فون مولتكة يذكر عن فكره العسكري بقوله :
اذا كنت تتوقع مجئ عدوك من جهة اليمين فأذهب لملاقاته من جهة اليسار
ويقول هنري كيسنجر الدبلوماسي الثعلب الأمريكي العجوز : إن ما يحدث الآن في العالم هو تمهيد للحرب العالمية الثالثة التي ستقع بين امريكا من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية .... وكان هذا القول في اللقاء الصحفي معه والذي اجرته معه جريدة الديلي سكيب اليومية المحلية في نيويورك. (1)
البشر وفي كل انحاء المعمورة ومن مختلف الشعوب، في اعيادهم وفي اوقات فراغهم ، مارسوا الألعاب ، والسباقات بين بعضهم البعض ، ولم تقتصر الألعاب والمباريات على الذكور من الرجال والأولاد ، بل كانت ومازالت هناك العاب للإناث، من البنات الصغيرات والشابات والنساء الكبيرات ، وفي مجتمعنا العراقي ، تعددت الألعاب وتنوعت ، فمثل ما للبنات العابهن كان للأولاد والرجال العابهم .
كما تميزت الشعوب بالعابها ، وتساليها ، خاضت الشعوب والقبائل الحروب فيما بين قبيلتين او بين حلفين للقبائل .
في الحالتين اللعب والحرب ، تميز اناس بالمهارة ، وابتكار المواقف المدهشة التي كانت تؤدي الى الغلبة سواء في اللعب او في الحرب ، وبرز فيهما ابطال تتباها القبائل والشعوب بهم ، فبرز اناس كانوا بارعين مثلا في لعبة المحيبس المشهورة ويملكون الفراسة التي تمكنهم من انتزاع الخاتم من الفريق المنافس وبالمثل كان هناك اللاعبون المراوغون الذين لا يستطيع امهر من يطلب المحبس انتزاعه منهم ، وفي الحروب كان هناك الفرسان الذين ذاع صيتهم على مر الأزمان ، وهناك ايضا القادة الأبطال . إن اللاعبين الماهرين في شتى الألعاب والقادة الأفذاذ تركوا بصماتهم ، ولكن لم يحولوا تراثهم الى نظرية علمية لها اسسها وقواعدها الا لاحقا عندما وضعت نظرية المباراة
نظرية المباراة تسمى ايضا نظرية الألعاب وهي كما جاء في تعريفها انها تحليل رياضي (من الرياضيات) لحالات تضارب المصالح ، بغرض الإشارة الى افضل الخيارات الممكنة ، لإتخاذ قرارات في ظل الظروف المعطاة للوصول الى النتيجة المرغوبة . (2)
كما اتضح من التعريف إن المباراة تقع بين فريقين ، ويجب ان يكون احدهما هو الفائز . إذ لابد ان يكون هنالك فائز ، كما في الشطرنج مثلا او في لعبة الداما .
تاريخ النظرية : تم وضعها على يد عالم الرياضيات الفرنسي أيمل يورل وسماها العاب الصدفة ، اما الأب الحقيقي للنظرية هو عالم الرياضيات الهنكاري – الأمريكي جون فون نيومان ، ثم طوّرت ووجدت تطبيقاتها في الإقتصاد ، بحيث كان عام 1944م هو عام تأسيس النظرية على يد نيمان واوسكار مورغن شتيرن من خلال كتاب :
The theory of games and economy "نظرية المباراة والإقتصاد"
كيفية إجراء اللعبة :
اللعبة هي موقف على اللاعبين (على الأقل لاعبين إثنين) فيه إتخاذ قرار ، وإن اللاعبين يتصرفون بعقلانية لكي يحققوا إحتمال الربح ويحوّلونه الى واقع .
اللاعبون يتصرفون ستراتيجيا اي إنهم يحسبون او يتكهنون حركة المنافس ويدخلونها في حساباتهم.
هناك الألعاب التي تسمى الألعاب الساكنة ، حيث يختار اللاعبون استراتيجيتهم كلهم في نفس الوقت ،
من التطبيقات العملية على هكذا مباراة ما يقوم به قائد المجموعة العسكرية عندما يتسلم اوامره العسكرية في الدفاع عن منطقته العسكرية مثلا ، عليه ان ينظم دفاعاته بالتنسيق مع القوات الصديقة التي تجاوره إذ عليه ما يسمى عسكريا " تقدير الموقف " ، إنه هنا ينظم دفاعاته بما يتلائم مع ما يلي :
1) حجم قواته وكثافته النارية
2) حجم القوات الصديقة المساندة له وكثافتها النارية
3) توقعاته لخطة العدو الهجومية وحجم قواته ، وجهدها الرئيسي
4) عرض تقديره للموقف على القيادة الأعلى منه للحصول على موافقتها او على التعديلات وفقا لما لديهم من معلومات ادق او لنفس المعلومات التي لديه
5) ثم يتخذ قراره بتنظيم دفاعاته بعد إمتزاج الآراء.

الخطوات السابقة لم يكن لها ان تتخذ واقع التنفيذ إذا لم تكن مستندة على مجموعة من المعطيات، ولو اجرينا تحليلا للموضوعة على ضوء نظرية المباراة سنلاحظ إن هناك موقفا معينا ، تشترك فيه القوتان المهاجمة ( العدو ) والمدافعة ( الصديقة ) وعليهما إتخاذ القرار والتصرف بحكمة لكي يمنعوا المنافس من تحقيق اغراضه او يحققوا النصر عليه ، وهذا يتم عندما يتمكنان من خلال الإستطلاع والتجارب ( الخبرات ) السابقة من معرفة تفكير بعضهم البعض في الموقف الحالي وكيفية التصرف .

يلجأ المتباريان الى التمويه والمبالغة بقدرتهما ، وخلق الأساطير المرعبة عن نفسيهما ، وفي بعض الحالات يفكران بتقديم تنازلات بسيطة ( خسارات قليلة ) في اماكن غير مهمة لصرف النظر عن مكان الضربة الرئيسية ، ما يسمى عمليا المناورة والتمويه .

في حالة القوة المدافعة عليها ان تعرف هدف القوة المهاجمة وهو إحتلال المدينة المُدافع عنها ، وفي حالة القوة المهاجمة تعرف إن هدفها مُدافع عنه وإن جبهة الدفاع عميقة وتمتد لمسافة بعيدة عن الهدف، وإن هناك حقول الغام وموانع كثيرة تمنع او تعرقل وصول القوة المهاجمة .
إن هذا المثال يوضح إن هناك جملة من القواعد التي نظمت المباراة وصنعت ظروفها ، وإن هناك حركات تنقل خطواتها من مرحلة الى آخرى ، مثلا الجيوش التي كانت في منطقة الحشد في بداية المهمة انتقلت الى الدفاع او الهجوم في منطقة اخرى ، فإذا كانت مُدافعة عليها ان تختار جبهتها ابعد عن المكان الذي تدافع عنه ، وتبني فيه دفاعاتها وتوزع جهدها الناري ، اما إذا كانت مُهاجمة فعليها ان تبدأ جهدها الهندسي ، وتنظم هجومها وفق القواعد والشروط. حتى الوصول الى نهاية المرحلة والتي يتوضح فيها المنتصر ، يحصل الفريق المنتصر على النصيب او الخرج ، وهذا يكون حسب نوع المباراة ، فإذا كانت الحرب كما في المثال ، فالغنائم هي النصيب فالمهاجم يحصل على الأرض المقصودة بالهجوم ، والغنائم الأخرى مثلا اسلحة ومعدات عسكرية واسرى، وإذا كان مُدافعا يحصل ايضا على نصيبه من الأسرى والمعدات..... الخ.

إن مثال الحرب ينطبق على المباراة الشاملة وتسمى ايضا الطبيعية وهي الألعاب التي تتضمن كماً هائلاً من التخطيط ويتم حساب نتائجها فوراً وتوزع فيها الأدوار كلعبة الشطرنج مثلاً ,

إن معظم النشاطات السياسية والأعمال التنظيمية الحزبية ، للأحزاب والقوى المختلفة ، تتداخل فيها بعض قواعد نظرية المباراة خاصة تلك النشاطات السياسية ، التي تكون اطرافها ذات توجهات ومصالح مختلفة ، كما هو الحال في العملية السياسية الجارية الآن في العراق ، حيث لكل طرف من الأطراف المشاركة في العملية السياسية ، وفي الحكومة ، لها رؤيتها الخاصة ، في كل مفردة سياسية في البلد وفي كل قانون يصدر ، حيث يمر كل شئ يخص الدولة والشعب من عدة فلاتر وعدة مراحل حتى يمكن ان يصبح قانوناً ، قابلاً للتطبيق ، فكل طرف في العملية السياسية يعرف ما يريده الطرف الآخر ، والطرف الآخر يعرف ما يريده الأول ، وليس بالضرورة ان تكون الإرادات متفقة ، وفي بعض الأحيان قد لا تكون هناك مشتركات بين البعض ، والإتفاقات يجب ان تكون توافقية قبل عمليات التصويت !! ، ستبذل في هذه الحالة جهود مضنية ، وتحصل المكاسب المشتركة والتنازلات المشتركة.

(1) لقاء هنري كيسنجر مع صحيفة الديلي سكيب :
http://www.youtube.com/watch?v=HrDI2saE3Tc
(2) ويكيبيديا نظرية الألعاب ( المباراة )