المنبرالحر

الربيع العربي بعد 30 يونيو ( الجزء الثاني ) فكرة المؤامرة / تحسين المنذري

بعد أن حقق الاسلام السياسي الفوز الإنتخابي في أكثر من بلد من بلدان الربيع العربي سادت فكرة المؤامرة عند الكثير من المحللين والمتابعين للشأن السياسي ،وسرت عدوى هذه الفكرة عند جمهرة كبيرة من الشعوب العربية ، معتبرين إن الموضوع برمته ومنذ البدء كان مؤامرة راح ضحيتها الشعوب التي تفاعلت مع الحدث ودفعت الثمن غاليا نتيجة إندفاعها غير الواعي مع ماجرى . فهل كان الامر كذلك ؟ لكن قبل الخوض في غمار هذا التحليل لابد من الاشارة الى إضاءة هامة يكشفها هذا التصديق السريع لفكرة المؤامرة ، تلك هي رسوخ فكرة عمالة أحزاب الاسلام السياسي للغرب وتبعيتها لتوجهات الغرب الرأسمالي، وفي هذا يستند أصحاب هذا الرأي على حوادث تاريخية وآنية شتى ( لا مجال لبحثها هنا)، وبغض النظر عن صحة هذا الرأي أو خطأه فإن رفض حكم الاسلامويين إزداد يوما بعد آخر وبشكل جلي في مصر أكثر من غيرها ، ذلك إن القوى السياسية المدنية في مصر كشفت حقائق مهمة عن الدور المريب للمتأسلمين في ثورة 25 يناير 2011 ، منها تأخر إشتراكهم في الثورة ألا بعد أن تبين لهم إنتصارها الاكيد ، بل وإن شريحةهامة منهم وهم السلفيون لم يكونوا مع الثورة مطلقا لانهم يرون في الخروج عن ولي الامر محرم شرعا، وهنا ممكن إثارة السؤال الهام كيف تمكن الاخوان وحلفاؤهم من تصدر المشهد وتسلم دفة الحكم ؟ ولابد من الاشارة الى أن الاخوان المسلمين وحلفاءهم كانوا الاكثر تنظيما في فترة ما بعد نجاح الثورة ، إضافة الى قِدَم تنظيم الاخوان قياسا بتنظيمات ليبرالية ومدنية نشأت بعضها بعد الثورة ، لكن ذلك كله لايلغي فكرة المؤامرة ، فالدعم الاعلامي الخارجي مؤامرة ، والمساعدات المادية الكبيرة من تنظيمات حليفة خارجية مؤامرة أيضا ، واللقاءات التي تمت مابين رموز الاخوان وسياسيين اميركان بعضهم أعضاء في الكونغرس تشوبه خيوط المؤامرة، زيارة أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية كانت جزءا من المؤامرة ، هذه بعض من خيوط المؤامرة التي رشحت الى السطح ، مع ذلك فكان هناك من يقول إنها إرادة الشعب المصري أن يفوز الاخوان وكل شيئ جرى بسلاسة وبدون تدخل خارجي ولاتوجد أية رائحةعفنة تدلل على المؤامرة !!! وعام كامل من حكم الاخوان كشف كثيرا من نتاجات المؤامرة ، علاقات الود المتناهي مع إسرائيل ،العداء العلني لايران بعد أن كان ودا قبل الثورة وبعيدها، غلق السفارة السورية بعيد قرار البيت الابيض بتسليح المعارضة ، سياسة الاقصاء والتقسيم التي تنسجم مع مشروع الشرق الاوسط الجديد، وربما غيرها الكثير ، فإن كان كل ذاك ليس كافيا فالموقف الاميركي بعد 30 يونيو يكشف مراهنة الادارة الاميركية على حكم الاخوان ويترك الابواب مشرعة أمام التوقعات بماهية الشروط التي وافق عليها الاخوان مقابل الحصول على الدعم الاميركي للفوز بإنتخابات الرئاسة المصرية ،وبحجة الدفاع عن الشرعية الديمقراطية ، وكأن الديمقراطية هي فقط صندوق الانتخاب، فهل كانت إدارة أوباما عمياء ولم ترَ الحشود المليونية التي أسقطت حكم الاخوان ؟ في أقل تقدير لجموع 30 يونيو حسب (كوكل) كان 14.3 مليون معارض بناءا على رصد اقمارها الصناعية وهو رقم أعلى مما جمعته صناديق الانتخابات لمصلحة مرسي إذا سلمنا بصحتها وبدون أي ترهيب أو ترغيب أو تزوير والتي كلها إحتمالات قائمة ،كما إن إدارة أوباما بدأت تهدد بإقاف المساعدات التي تقدمها لمصر كل عام ، فلماذا كان الموقف الاميركي هكذا ؟ يقال إن الكونغرنس الاميركي ينوي فتح تحقيق في الاموال التي صرفتها إدارة أوباما دعما للاخوان !! وفي نفس السياق كان طلب مرسي من وزير خارجيته الاتصال بالناتو والادارة الاميركية لغرض التدخل ، فهل كان هذا جزءا من إتفاق الاخوان معهم ؟ وأخيرا موقف الاتحاد الافريقي بتجميد عضوية مصر بحجة الانقلاب على الديمقراطية ونصف بلدان افريقيا لاتعرف معنى الديمقراطية في حكمها !!
يبدو أن الدولة المدنية الديمقراطية لاتروق لهؤلاء ومشروع الشرق الاوسط الجديد هو تكريس للتخلف وسيادة قيم الظلام وتهميش الشعوب . وإن ثورات الربيع العربي كانت ثورات حقيقية بمسبباتها الموضوعية لكن المؤامرة جاءت فيما بعد لحرف إتجاه الثورة وهذا ما حصل مؤقتا.