المنبرالحر

آباء وأبناء / قيس قاسم العجرش

تل شميت، إسمها السومري هو (كي آن) وتقع الى الغرب من ناحية الفجر شمال الناصرية.
الكشف عنها والتنقيب فيها بدأ منذ الثمانينيات، وبقيت جدرانها مكشوفة وسط واد من التراب الذي كان يغطيها.
لكي ندرك أهميتها يتوجب علينا ان نعلم انها تعود الى 1700- 2000 قبل الميلاد.
جدرانها مبنية من اللبن والطين والقش، ويحتوي كل بيت فيها على فرن للفخار ومنضدة طينية متصلبة في الوسط كانت تستخدم لتشكيل الصلصال وصناعة الأواني الفخارية والتماثيل و الادوات اليومية.
كانت أزقتها ضيقة وتمتد الى المركز وتتقاطع في الوسط، مما يسهل عملية الدفاع عنها أو منع الحيوانات الضارية من الدخول اليها والسطو على الخراف والمواشي الاخرى.
والى أعلى التل ببضع مئات من الأمتار نجد بئر ماء عذب مبطنة بالطابوق ويخرج منها مجرى مائي مبطن بالطابوق والقار ايضاً ينقل الماء الى المدينة حيث تصرّفه قنوات خزفية أخرى الى ناحية وادي النهر.
منذ سنوات وهذه المنطقة تصنف على إنها منطقة خطرة، رغم أهميتها التاريخية.
منبع الخطورة ناتج عن النزاعات العشائرية التي ابتلي بها هذا الوادي، والتي جعلت تسلل عصابات النهب الى المناطق النائية أمراً سهلاً، بل صار سهلاً حتى إدعاء "السلابة" بأنهم إنما يأخذون بثارات عشائرهم عبر التسليب. ثم يدخل الجميع في دوامة "طلايب" عشائرية يضيع فيها الحق ويتعطل، وتموت معها هيبة الدولة. أكثر من هذا صارت النزاعات تأخذ طابع النفعية عبر محاولة الإستفادة من ريع بعض المشاريع الخدمية في المنطقة أو بعض فرص التعيين التي تتيحها هذه المشاريع بصيغة أجور يومية أو حراس أو ماشابه.
والنتيجة هو خراب في الإنسان والمكان.. نفس الشيء رصدته في مكان تاريخي آخر هو قضاء القرنة شمال محافظة البصرة.
هناك ازداد الأمر سوءاً الى درجة استخدمت فيها الهاونات وقذائف المورتر والآر بي جي في نزاعات عشائرية، سقط فيها أطفال ونساء لاسباب أقل ما يمكن ان توصف بأنها تافهة.
في القرنة سقط أكثر من مائة قتيل خلال عام واحد في النزاعات العشائرية. وحين توجهت اليها لأستقصي المعلومات في تحقيق صحافي اتصل بي صديق من القضاء وطلب مني إرجاء الزيارة، لأن حادثة قتل حصلت ووترت الأوضاع أكثر.
مع هذا اعود لأقرأ ان المكان التاريخي لآكاديا السومرية وجنة عدن إنما ينحصر قرب القرنة تحديداً.
اتساءل قانطاً: كيف تمكن اجدادنا أولئك من تنظيم حياتهم بالطين المجرد.. ولماذا ينحر الأبناء اليوم بعضهم البعض في "طلايب عشائرية ".. لماذا؟ ومعها ألف حسرة.