المنبرالحر

حرب باردة وعلاقات أبرد / قيس قاسم العجرش

التناقض والازدواجية سمة انسانية، لكن من غير المفهوم ان تسعى عقليات سياسية عظمى الى جعلها "سمة سياسية"!
انعقد مؤتمر باريس الذي حشد قدرات العالم بالضد من "داعش" وكانت تفاصيل المؤتمر بحد ذاتها مفاجئة.
لم نكن نعلم على سبيل المثال ان دولاً أوروبية كبرى ( هاجمها الإرهاب مراراً) لم يكن لديها اي إجراءات لمنع سفر المتطرفين واعاقة التحاقهم بساحات القتال الإرهابي في الشرق الاوسط.
ولم نكن نعلم ان فرنسا وهي تتسابق في قصف مواقع تنظيم داعش في العراق، ليس لديها أي رادع داخلي أمني تجاه عمليات التجنيد عبر الانترنيت لمواطنيها.
كما لم نكن نعلم ان معظم الدول المشاركة (ومنها اليابان واستراليا ودول عربية عديدة) لم تكن قد التزمت بعد بإجراءات محاصرة تمويل المجاميع الإرهابية، المذكورة في قرار سابق لمجلس الامن برقم 2170.
والذي أثار الانتباه في ذلك المؤتمر هو فقط عدم دعوة ايران وتجاهل وجودها تماماً في اي ترتيبات أمنية اقليمية طرحت على الطاولة، وترك موضوع الترتيب للحكومة العراقية ان تتولى التنسيق مع ايران.
في الحقيقة لا يمكن احتساب التآلف الدولي لمحاربة داعش على انه محاولة دولية بريئة لبسط السلام في الشرق الأوسط، بقدر ما ان هذه الدول استشعرت خطر الارتداد الذي يمكن ان يسببه وجود بؤرة متطرفة تجذب الانتحاريين كما تجذب الحلوى الذباب.
ومن هذا المنطلق استوعبنا تسابق طائرات الحلف الاطلسي الى قصف مواقع منتخبة لتنظيم داعش في العراق وسوريا.
لنتذكر ان الآلاف من حملة جوازات السفر الأوروبية (الممتازة) قد تم تجنيدهم لصالح الإرهابيين وهم الآن يقاتلون في صفوف داعش، في وقت يمكن ان تمنع سلطات هذه الدول أي انسان من أي مكان على الارض من زيارة اراضيها لغرض السياحة او التعليم او العلاج.
الآن نريد ان نفهم، هل ان مخابرات تلك الدول فشلت في الأصل في منع التجنيد أم إن هذا التجنيد تمّ قريباً من مزاجها؟
كما علينا ان نفهم هل ان تجاهل ايران في الترتيبات الامنية خضع لذلك المزاج أم إنه جزء من الفشل ؟
اليوم ترصد الولايات المتحدة مشاركة طائرات ايرانية في قصف مواقع لداعش في محافظة ديالى المحاذية لإيران، فهل سيكون اعتراض حلف باريس استكمالاً للفشل السابق أم مجرد مناكفة غير ذكية تهدف الى عزل ايران على حساب تمدد التنظيم الإرهابي؟.
مجرد تناقض مفضوح لا نتمنى ان ينجح التنظيم الإرهابي في استثماره من اجل نسخة تافهة من الحرب الباردة بلا عنوان وبلا اهداف.