المنبرالحر

بلد فضائي/ احمد عواد الخزاعي

إنها خطوة صغيرة لإنسان ... لكنها قفزة كبيرة للبشرية ...هكذا عبر رائد الفضاء الأمريكي ارمسترونغ عن خطوته التي وطئ بها سطح القمر عام 1969، والتي كسر فيها حاجز المستحيل ، وفتحت الطريق أمام العالم المتحضر لغزو الفضاء الخارجي ، وسبر أغواره ومجاهله ، لتكون هذه الحادثة علامة فارقة ومشرقة في سفر الإنسانية جمعاء ، وفي تاريخه الشخصي كونه أول إنسان داس بقدمه تراب السماء ، لتتحول أنظار الغرب لأعمار الفضاء وبث الروح فيها ، بعدما عمروا أوطانهم ، وصنعوا أنسانا ارضيا متحضرا يؤمن بالعدل والمساواة ويعشق الحرية كجزء من احتياجاته اليومية ، مصان الكرامة والحقوق ... هكذا هم فضائيون وأرضيون صناع للحياة والتطور ... وهكذا نحن صناع للوهم والزيف ...في موائمة غريبة ومقاربة حاول من كان يقف وراءها أن يحاكي الغرب المتقدم في غزوه للفضاء ويحقق انجازا عراقيا صرفا ، لا ينازعه فيه احد ، كون لم يسبقه إليه احد من قبل ... انه ابتكار الإنسان الفضائي العراقي ... اطل علينا السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي ليفجر قنبلة من العيار الثقيل ، ويعلن عن اكتشافه لأكثر من خمسين ألف جندي فضائي في الجيش العراقي الحالي ، أي ما يعادل أربع فرق عسكرية ...وإنهم الآن في طور إحصاء الفضائيين في الصنوف الأخرى من القوات المسلحة كالشرطة وحرس الحدود والمغاوير والقائمة تطول ... جنود فضائيون تصرف لهم الارزاق من طعام وشراب ويسلحون ويستلمون مرتبات تكلف الدولة مئات المليارات من الدنانير شهريا ، دون أن يراهم احد لا على الأرض ولا في السماء ، جنود فضائيون تواروا خلف الفوضى التي تضرب بإطنابها جميع مرافق الحياة هنا ...وتعلقوا بشماعة الفساد الإداري الذي أصبح سمة العراق الجديد ، وولجوا إلى سمائنا من تحت عباءة الطائفية والقومية والحزبية والفئوية ، هؤلاء هم فضائيونا ، هم ليسوا روادا للفضاء أو كائنات غزت بلادنا من المريخ او الزهرة بصحونهم الطائرة ... إنهم أسماء وعناوين ليس لهما وجود نسخت على أوراق رسمية ، أو أناس جالسون في بيوتهم يستلمون نصف رواتبهم والنصف الآخر يذهب في جيوب ضباطهم الفاسدين ... أنهم وهم القوة والكثرة التي نتج عنها هذا التدهور الأمني الذي نعيشه الآن ، واحد الأسباب الرئيسية لسقوط الموصل وتكريت وأجزاء كبيرة من المنطقة الغربية ...حين تفقد الحقيقة معناها ويغيب أو يغيب القانون كأداة رادعة للانحراف ، عندها يصبح الوهم والزيف هما من يحرك دفة الحياة ... اليوم جنود فضائيون وغدا سيكتشف لنا منقبون آخرون عن كائنات فضائية أخرى تفسر لنا هذا الوجع العراقي المزمن ، وندرك حينها أن ميزانية العراق الخرافية بضخامتها ، أنتجت لنا كائنات خرافية ليس لها وجود ... إلا في عالم الفضاء والخيال العلمي ، حين تمتد قائمة السيد العبادي وتكشف لنا عن وجود مدارس فضائية ومستشفيات فضائية وطرق وجسور فضائية ، وسياسيون ومثقفون فضائيون ... حري بنا ان نفخر بحاضرنا الفضائي الذي تجاوزنا فيه كل خطوطنا الحمراء وعبرنا إلى اللاعودة ، حيث لا دين يردع مفسدينا ولا واعز أو ضمير ...بغياب قانون قوي وصارم يضرب على ايدي السراق ، يقول لهم كفوا ايديكم عن نهب هذا البلد المسكين ، الذي نخشى ما نخشاه ، أن نجده قد تحول في إحدى غفلات الزمان إلى بلد فضائي هو الاخر .