المنبرالحر

تزييت عجلات القانون! / قيس قاسم العجرش

العدل لا يكمُن في إحقاق الحق، ولا في تطبيق القانون.. إنما في رؤية القانون وهو يأخذ مجراه بلا حاجة لأي دفع.
في شهادة مهمة كتبها القاضي رحيم العكيلي، قال انه كقاضي طالما كانت تواجهه مشكلة الوَساطات، وبالتأكيد فإن القاضي النزيه هو الذي لا يستمع لوساطةٍ أصلاً ولا يفتح لها أي مجال مهما كان صغيراً، لكن بعض الوساطات كانت تطلُب تطبيق القانون فقط!
يقول العكيلي إن احد القضاة تعرّض شقيقه لإتهامٍ أمني، فتوسّط عند قضاة آخرين من أجل إنقاذ شقيقه، ولما قيل لهذا القاضي إن زميله الذي تولى القضيّة لا يقبل الوَساطات وان عليه أن يطمئن لأنه قاض معروف بالنزاهة، بيّن أن طلبه يقتصر فقط على تطبيق القانون! فكل ما أراده ذلك القاضي هو أن يطبّق القانون بحقّ شقيقه المُعتقل او المتهم.
لأنه كقاضٍ يعرفُ بالخبرة والممارسة ان شقيقه يمكن أن(يـُـنسى!)في التوقيف بضع سنين.
قصّة أخرى لها ذات الوجه، يحكيها قاضٍ آخر يقول فيها إنه صادف مرّة ملف قضية أمنية، وصلت إليه أكثر من ست مرّات وفي كل مرّة كان يضطر الى إعادتها الى الجهة التحقيقية لأن الأوراق ناقصة، ويضيف: كأن هناك من يعرف تماماً ان الإجراءآت لن تمضي إلا باكتمال الأوراق التحقيقية فعمدت هذه اليد المجهولة الى إنقاصها كي يلبث المعتقل في السجن شهوراً او سنوات.
في النهاية تفتقّ ذهن القاضي عن حيلة. يقول: في المرّة الأخيرة عمدتُ الى استنساخ كل الأوراق وخزنها عندي وتحويلها على قرص مدمج (أكثر من 800 صفحة ثبوتية) وارسلتُ قرصاً مدمجاً الى الجهة التحقيقية وقمت بختم القرص داخل مغلّف لا يفتحه إلا قاضي التحقيق، وطلبتُ منه بكتاب رسمي أن يثبّت عدد الاوراق التحقيقية والكشوفات والمُطالعات بالضبط وفقاً لما موجود في القرص الذي أرسلته بنسختين، واحدة الى قاضي التحقيق والأخرى الى الإدعاء العام واعلمت الطرفين بنسخة القرص هذه المرة.
والنتيجة أن عادت الإضبارة كاملة هذه المرّة بلا نقص وكان واضحاً جداً استحقاق الإفراج عن المتّهم مع أول مطالعة كاملة للقضية.
وفقاً لهاتين الشهادتين علينا ألا نفرح كثيراً ونحن نسمع في الأخبار جُمَلاً مثل: أمرَ رئيس الوزراء بالتحقيق في ..كذا....أو وجّه رئيس الوزراء بإحالة قضية كذا الى القضاء.. لأن المعنى الضمني هو أن العدالة لم تتحرك إلا بتوجيه مباشر من رئيس الوزراء أو المسؤول الأعلى.. وهذه عدالة بطيئة، صدئة، لا تعمل من تلقاء ذاتها وهي مرشحة جداً أن (تهرس) في دولابها الفوضوي عدداً كبيراً من الأبرياء، وان ينجو منها كذلك عدد كبير آخر من المجرمين.