المنبرالحر

معادلة مخطوءة / احمد عواد الخزاعي

الأسد من الحيوانات التي أخذت مدى واسعا في التراث العالمي والعربي على وجه الخصوص ، حتى أصبح رمزا للشجاعة والنبل والقوة ، تغنى به العرب في أشعارهم ونواديهم ووصفوا كل حركاته وسكناته بأسماء تجاوزت الإلف والخمسمائة اسم ، والغريب إن التقدم العلمي الذي شهده العالم تناغم في التعاطي مع هذا المخلوق مع ما عرف عنه في الموروث الاجتماعي ، حتى احتل رأس الهرم الغذائي في الطبيعة ...
في إحدى وزاراتنا الكريمة ، يوجد هناك قسم يسمى ( القسم الزراعي ).. مهمة هذا القسم هي زراعة وتنظيم وتجميل حدائق هذه الوزارة والمواقع الخارجية التابعة لها ... ويقوم بهذا العمل نخبة من المهندسين والفنيين المتمرسين على مثل هكذا أعمال ولسنوات طويلة ... في هذا القسم يوجد موقع إنتاجي يستخدم في إنتاج وزراعة وتكثير الزهور ونباتات الزينة والأشجار والشجيرات ، ويقوم هذا الموقع الذي يتألف من بيوت بلاستيكية ومظلات ومسطحات تكثير بإنتاج ألاف الشتلات سنويا مجانا وبجهود ذاتية ... في احد الأيام فوجئ منتسبو هذا القسم بدخول شخصين يرتديان بدلات أنيقة ، ويحملان بأيديهما أجهزة لاسلكي وخرائط للموقع الإنتاجي ، وبدآ يتفحصان المكان ... تبين بعد ذلك إنهما يعملان في مكتب الوزير أو يدعيان ذلك ... وينويان إزالة هذا الموقع عن بكرة أبيه وردمه وتحويله إلى كراج لسيارتيهما الشخصيتين ، كونهما يمتلكان من الرقة ما تعيق قدرتهما على المشي لمسافة مئة متر من كراج الوزارة الرئيسي إلى موقع عملهما ، وجاءا يبحثان عن مكان بديل يقرب هذه المسافة البسيطة ... دخل بعض مهندسي الموقع معهما في حوار تحول إلى جدال ، وغادرا المكان وهما على طرفي نقيض ، احدهما مصر على إزالة الموقع الإنتاجي وتحويله إلى كراج والآخر يطلب منه التريث قليلا ...وبقي مصير آلاف الزهور والشجيرات معلق وتحت رحمة ما ستؤول إليه مباحثات هذين الشخصين الذي تبين إن احدهما يعمل بوابا والأخر يعمل مساعدا له ...
عودا على بدء ...يروى إن في غابة بعيدة يعيش أسدا شجاع نبيل .. كان مواطنا صالحا نزيها يحب غابته ، عاشقا للحرية والعدل والإنصاف ... كره أنظمة الجور وفرح حين شاهد الصنم يهوي على الأرض في التاسع من نيسان ... نام هذا الأسد تعبا من كد يوما طويل ، مر به ثعلب وضيع وهو في حالته هذه فقام بتوثيقه وربطه إلى شجرة كانت بجواره ، حتى يموت جوعا وعطشا ، استيقظ الأسد من منامه طالبا من ذلك الثعلب فك وثاقه غير انه رفض ذلك ليتركه وحيدا مكبلا يواجه مصيره المحتوم الذي رسمه له ... بقي الأسد لساعات طويلة بانتظار من يحرره من أسره ، وإذا بحمار غبي يمر بقربه طلب منه الأسد فك قيوده ... وافق الحمار بشرط أن يهجر الأسد غابته بعد تحريره ... وافق الأسد على شرط الحمار ، قام الحمار بتخليصه من قيوده ... لكنه سرعان ما ندم على فعلته بعدما رأى الأسد طليقا وخاف إن يأكله ... عندها طمأنه الأسد بقوله ... ( لا تخف ... إن الغابة التي يربط فيها الثعلب ويحل فيها الحمار لا مكان لي فيها )... غادر الأسد الغابة ورحل بعيدا وفي نيته طلب اللجوء إلى إحدى دول أوربا الحرة ... حيث الكل يعرف هناك ماله وما عليه ، وحقوقه وواجباته ، والكل يدور في فلك اختصاصه ومسؤوليته لا يتعداها قيد انملة وفق مسار تحدده له خطوطه الحمر التي يتوقف عندها تحت سطوة العرف والقانون ...وينأى بنفسه عن مملكة عاش فيها الإنسان لقرون طويلة وفق معادلة مخطوءة اختلطت فيها الأوراق وتداخلت فيها الخنادق وتفاوتت فيها الأدوار ... وبدا فيها الكثيرون لايعرفون حدود حريتهم وسلطتهم ، التبست عليهم الألوان فتجاوزوا خطوطهم الحمراء ، وأصبحت كل الاوان بنظرهم خضراء .